بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 كانون الثاني 2018 12:03ص دور الفرد والجماعة في تطبيق الأحكام

حجم الخط
د. محمد قاسم المنسي*

ما شرعه الله تعالى من التكاليف لا يخلو من مصالح تعود إلى الفرد أو الجماعة، ومصلحة الفرد - في الكثير - مصلحة للجماعة، ومصلحة الجماعة لا تخلو من مصلحة الفرد؛ لأن الفرد جزء من الجماعة.
ولقد قسم الفقهاء الأحكام الشرعية باعتبار ما فيها من مصلحة تعود على الفرد أو الجماعة، أو هما معًا إلى أربعة أقسام:
- ما كان حقًّا خالصا لله.
- وما كان حقًّا خالصًا للعبد.
- ما اجتمع فيه الحقان: حق الله، وحق العبد، ولكن حق الله أرجح.
- ما اجتمع فيه الحقان: حق الله، وحق العبد، ولكن حق العبد أرجح.
وحين يعبِّر الفقهاء عما هو حق الله، فإنهم يقصدون بذلك ما هو حق للجماعة، وما قصد به تحقيق مصلحتها، وحفظ النظام العام فيها، وقد جعلوه حقًّا لله؛ لأنه لم يقصد به نفع فرد معين، وليس للأفراد - حكامًا أو محكومين - حق إسقاطه، أو العفو عنه، أو إهمال إقامته.
أما الحقوق الخالصة لله؛ أي: حق الجماعة، فمنها العبادات؛ كالصلاة والصيام والزكاة وغيرها، ومنها الضرائب والعقوبات على الجرائم التي تمس أمن الجماعة واستقرارها؛ كالزنا والسرقة والحرابة، وكذلك العقوبات التعبدية؛ كالكفارات.
أما ما اجتمع فيه الحقان؛ حق الله وحق العبد، ولكن حق الله أرجح، فهو حد القذف؛ لأن الجريمة تمس الأعراض، ففي العقوبة عليها مصلحة خاصة للمقذوف، كما أن في عدم التبليغ عنها مصلحة خاصة له أيضًا؛ لأن للقاذف أن يثبت صحة القذف، وإثبات ذلك قد يؤدي إلى إقامة حد الزنا على المقذوف.
ولما كانت الجريمة تمس الأعراض، وتؤدي إلى التنابز والتعادي، وتشويه السمعة، وتلويث الأمهات والأولاد، والتشكيك في نظام الأسرة - جعل الحد حقًّا لله، وغلب حق الله على حق المقذوف؛ بحيث إذا أثبتت الجريمة فليس للمقذوف أن يتنازل أو يعفو، وإن كان له أن يبلغ عن الجريمة.
أما ما اجتمع فيه الحقان، وكان حق الفرد فيه غالبًا، فهو القصاص من القاتل المتعمد، فإنه باعتبار ما فيه من المحافظة على حياة الناس وتأمينهم على أنفسهم - يحقق مصلحة للجماعة؛ فيكون حقًّا لله تعالى، وباعتبار ما فيه من إطفاء نار الغضب، وشفاء ما في الصدور من الرغبة في الانتقام والعدوان - يحقق مصلحة فردية؛ فيكون حقًّا لمن تعود منفعته إليه، والجهة الثانية أظهر فيكون حق العبد أرجح، ولهذا لا يقتص من القاتل إلا بطلب ولي المقتول، وله أن يتنازل عن حقه ويعفو عن القاتل.
أما ما كان حقًّا خالصًا للعبد، فيشمل كل حقوق الأفراد المالية أو المتعلقة بالمال؛ كأثمان المبيعات، وأجور المنافع، وضمان المتلفات، وحق الشفعة، وحق حبس المبيع لاستيفاء ثمنه، وحق حبس العين المرهونة لاستيفاء الدين.
وفائدة التقسيم السابق هي تحديد دور الفرد والجماعة في تطبيق الأحكام الشرعية، فإن ما كان حقًّا خالصًا لله، أو ما كان حقه فيه راجحًا - يُترك أمر تنفيذه للحاكم، ولا يجوز لأحد أن يتنازل عنه، أو يتهاون في إقامته؛ كتطبيق حد الزنا على الزاني والزانية، أو حد القذف على القاذف.

 * الأستاذ في كلية دار العلوم بالقاهرة