بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 أيلول 2023 12:00ص مولد خير البريّة

حجم الخط
يعتبر مولد النبي صلى الله عليه وسلم  شعاعا يسطع على الشمس فيزيدها إضاءة فوق إضاءتها وإن كانت شمس الدنيا أعطتنا الدفء والغذاء والدواء للجسد فإن محمدا صلى الله عليه وسلم  أعطاهم كلهم للنفس وهو أمر أرقى من الجسد.
فلقد كان صلى الله عليه وسلَّم جَمَّ التواضع، وافر الأدب، يبدأ الناس بالسلام، ينصرف بكلِّه إلى محدِّثه؛ صغيراً كان أو كبيراً، ويكون آخر من يسحب يده إذا صافح، إذا تصدَّق وضع الصَدَقَةَ بيده في يدِ المسكين، وإذا جلسَ جلس حيث ينتهي به المجلس، ولم يُرَ ماداً رجليه قَط، ولم يكن يأنف من عملٍ لقضاء حاجته.
وكان صلى الله عليه وسلم يؤلِّف ولا يفرِّق، يجمع الناس لا يفرِّقهم بالغيبة والنميمة، كان يؤلِّف ولا يفرِّق، يقرِّب ولا يُنَفِّر، يُكَرِّمُ كريم كل قوم ويولِّه عليهم، يتفقَّد أصحابه، يسأل الناس عما في الناس، يُحَسِّن الحسن ويصوِّبه، ويقبِّح القبيح ويوهِّنه، لا يقصِّر عن حق ولا يجاوزه، ولا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه مِنْهُ، من سأله حاجةً لم يردَّه إلّا بها أو ما يسرُّه من القول.
وكان دائمَ البشر، سهل الخلق، ليِّنَ الجانب، ليس بفظٍ ولا غليظ، ولا صَخَّابٍ، ولا فَحَّاشٍ، ولا عيَّابٍ، ولا مزَّاحٍ، يتغافل عما لا يشتهي، ولا يخيِّب فيه مؤمِّلاً، وكان لا يذمُّ أحداً ولا يُعَيِّره، ولا يَطْلُب عورته، ولا يتكلَّم إلّا فيما يُرْجى ثوابه، يضحك مما يضحك منه أصحابه، ويتعجَّبُ مما يتعجَّبون، ويصبر على الغريب وجفوته في مسألته ومَنْطِقِه، ولا يقطع على أحدٍ حديثه حتى يجوزه.
نعم... إن الحديث عن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم  لا تتسع له المجلَّدات ولا خطبٌ في سنوات، ولكن الله جلَّ في عُلاه لَخَّصها في كلمات، فقال {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، والخُلُقُ العظيم هو الخير كله، هو الإيمان، هو القُرب من الله عزَّ وجلّ، وإذا احتفلنا بذكرى المولد فينبغي أن نتخلَّق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم  لا بالكلمات ولا بالانشاد ولا بالتعريف فكله مطلوب ولكن الغاية تجديد الاتباع لسُنّة النبي، وكيف نتَّبع سنّة النبي إن لم نعرفها؟ إذاً طلب العلم طريق الفوز في الدنيا والآخرة، «إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم»...