بيروت - لبنان

24 آب 2023 12:00ص الأدب والوعي في بناء علاقة مثالية بين الكاتب والقارئ

حجم الخط
يتأمل الكاتب طبيعة العلاقات الإنسانية بتفرّد دون مشكلات نفسية معقّدة، وربما هي تكوين أخلاقي يشهد من خلاله على نفسه وعلى الآخرين، كشاهد على عصره، وربما على عصر يبقى فيه من خلال كتاباته التي بثّها تحليلات هي بمثابة توقّعات لحاضر لا يتواجد فيه إلّا من خلال كلماته التي تمثل كل ما عصف به من تفكير هو معادلة وجوده في مؤلفاته، لأن حياته الخاصة ما هي إلّا تحصيلات الحكمة التي أودت به الى أحضان الأدب، ليبقى كالمنارة أو المحبب لدى القرّاء الذين أدمنوا ويدمنوا كتاباته المتجددة مع كل قارئ من جديد، كما هي الحال مع كتابنا الذي نفضّل أن نقرأ لهم باستمرار مثل تولستوي وجان جاك روسو وفلوبير أو نجيب محفوظ وبهاء طاهر وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وميشال زيفاكو، وببلاغة تتسرّب الى لب المشاعر الحميمة عند الآخرين الذي يتمسّكون بكاتبهم المفضّل حتى الموت، فتجد في مكتباتهم كل ما يتعلق بهذا الكاتب أو ذاك. فمن منا لم يتعلق بالكاتبة أغاتا كريستي أو لم يقرأ «الأمير الصغير» أو مؤلفات هيلين كيلر، حيث أخذتنا الكثير من الأفكار من عوالمنا الحقيقية نحو عوالمهم الأدبية، لنكتشف بعد ذلك أنها مسارات الحياة التي تقودنا نحو الحقيقة الأخلاقية التي نعيش فيها قناعات ولدت من هذا الكاتب أو ذلك. فالتكوين البشري يحتاج لرفع نسبة الإنسانيات لتتطور العلاقات المجتمعية وفقا لصيغة مجموعة التأملات من محصلات فكرية تكوّنت من الأدب في جميع النواحي، وإن اختلفت المعايير الحياتية في كل عصر، لأن الإخلاقية منها هي إنسانيات تولد من الفكر الكتابي الفردي الذي اختبره الكاتب، كحصيلة ممارسات فكرية تركها لورثته من القرّاء؟ وهل من كتّاب تأثروا بما كتبه دون أن يضعف مع السنين؟ أم أن الكاتب يتخطى نقاشات عصره ويدخل في المستقبل باستمرار مع نقاشات تستشهد بمقولاته أو كتاباته وما تحتوي من معاني إنسانية باسم العقل الذي تميّز به في حياته؟ وهل الأدب والوعي في بناء علاقة مثالية بين الكاتب والقارئ هما الجسر الحقيقي للزمن الذي يجمع بينهما بتجدّد لا يموت؟ وهل رؤية كافة العوالم الإنسانية التي مرّت نعيشها من خلال الأدب أو الأحرى ما تركه الكاتب من أثر أدبي في الفكر الإنساني؟
غالبا ما يقع الكاتب في صراع مع المشاعر المتناقضة خلال حياته التي نحصد منها حيوات أكثر أهمية وهي محصلاته الأدبية، وما تحمله من فكر ذي تصورات توجه بها نحو قارئ مجهول بالنسبة له، لكنه في الحقيقة هو القيمة الحقيقية التي يؤكد من خلالها على أهميه إرثه الأدبي أو تجربته التي ينبغي أن نكتشف فيها أنفسنا، فنتطور وفق سلسلة الوعي ومجموعة العلاقات التي ولدت من عدة قراءات لكاتب معيّن أو لكتّاب نلاحقهم من خلال كتاباتهم، وهذا الأكثر قيمة عند القارئ والكاتب سواء من حيث التأكيد على الشعور بالوعي والإضطلاع على تجارب الآخرين بصمت أومن خلال اكتشاف لذة اللقاءات بين عالم الكاتب والخيال المصاحب للعيش عبر مشاعره وتحليلاته في كتاباته كما في مؤلفات جون شتاينبك أو يوسف إدريس أو توفيق يوسف عواد أو غائب فرمان طعمة وغيرهم من الغرب والشرق. فهل انعكاسات العصور الأدبية تؤثر على بعضها البعض؟ وهل على الكاتب أن يؤثر عزلته من الواقع الذي يعيشه على واقع آخر رحل عنه وبقي فيه فكرا يتطور مع كل قارئ ولد فيه؟
نكتشف الكثير من المفاهيم الحياتية التي تغيب عنا من خلال الأدب، فنختبر ما قاله روسو وربما ما قاله إحسان عبد القدوس ونعيش تخيّليا تحت ضوء كل كاتب والخصائص الفكرية التي يمدّنا بها فنرفض فكرة ونتبنّى فكرة ونتطوّر مع أخرى، بديناميكية لا نشعر بحقيقتها أو قوتها إلّا عند الوقوع بمشكلات تخرج من خلالها خزائن الأفكار التي استخلصناها من هذا الكاتب أو ذاك، كما في الشيخ والبحر أو حارس في حقل الشوفان أو حتى القصائد التي تمثل نوعا من مدرسة ننشأ فيها ونستكشف المعنى الوجودي من خلالها وربما بفلسفة تندرج تحت الصراع الزمني وما يستمدّه التجديد من أفضليات لإعادة التركيز في كتابات هي نفسها قيمة ممنوحة للحياة التي يعيشها الكاتب من خلال كتاباته. فهل من أفكار خالدة لكتاب ما أصبحت قانونا في الحياة؟ وهل الوعي الذي ينشأ من الأدب هو ولادة حقيقة لقارئ اكتسب معرفة هي خلاصة حياة لكاتب ما زال يولد؟