بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 تشرين الثاني 2023 12:00ص الروائي زين عبد الهادي لـ«اللواء»: «بدأت الشعوب تُحرّك القضايا الإنسانية بعيداً عن مخالب السلطة والتغوّل الصهيو فاشستي»

حجم الخط
ما بين العاطفة الوهمية والعاطفة الحقيقية في رواية استاذ علم المعلومات وتاريخ المعرفة للروائي «زين عبد الهادي» (الحرب في الشرق) يغرق القارئ مع الشخصيات بتعاطف لا سياسة فيه. فالتعاطف جزء من وجودنا الإنساني، والتعاطف حقيقة مؤكدة في حياتنا، ومن يتكلمون في السياسة كثيرون، على الرغم من أن كلامه في السياسة مؤجل في هذه الرواية التي تجري كلها على لسان طفل، ومن الصعب أن يتكلم في السياسة لانه لا يرى سوى مشاعره التي تنهزم أمام الحرب، إضافة الى أن الرواية محكومة بالنوستالجيا أو الحنين للماضي الذي فقدنا فيه كل من أحببناهم، لا بد أحيانا من مداخل جديدة للرواية تعيد لنا إنسانيتنا وحواسنا التي نكاد نفقدها في خضم المادية ، والسياسة التي لم تعرف الحقيقة يوما، ففي السياسة كما في الحياة، الحقيقة مجرد رأي، هذه السياسة تحتاج روايات أخرى لم يكن مكانها في هذه الرواية التي يقول عنها «منذ بداية كتابتي لها، كنت أؤجل الكتابة عنها ربما لو كتبت جزءا ثانيا أكتب عنها. دون أن يفقد الطفل إحساسه الذي مثل النهر لهذه الرواية»..
ومع الروائي زين عبد الهادي أجريت هذا الحوار:
{ لماذا تكتب الرواية؟
- هل هذا سؤال ساخر تماما من كل من كتب؟ السؤال الصحيح هو لماذا لا أكتب؟.. نعم هو كذلك لماذا لا نكتب؟ الحقيقة أنني ككاتب أملك قضية متفرعة.. فالكتابة أمر جوهري عن هوامش التاريخ أو عن تاريخ الهوامش أمر يدعو للإلتزام المرعب ويدعو لتحرّي الدقة في تفاصيل الماضي وخاصة أن تاريخ العالم الرسمي في أغلبه مزوّر إلى حد الازدراء. من يذكر في كتب التاريخ عذابات الناس (الغلابة) و(المطحونين)، هل يعلمون كيف هي حياتهم، كيف تركوا مواهبهم من أجل لقمة العيش الكليلة، كيف أصبحوا مرضى مقموعون مشرّدون بين مخالب السلطة والفقر والجهل، لن تذكر كتب التاريخ ومجلداته شيئا عن ذلك أبدا.
{ هل حان الوقت ليعرف العالم حقائق ما يجري في غزة؟!
- الإنترنت والعالم الافتراضي يبدو أنه سيغيّر كل ذلك، من لم يكن يسمع بما يحدث في غزة الآن يسمع، بدأت الشعوب تحرك القضايا الإنسانية بعيدا عن مخالب السلطة والتغوّل الصهيو فاشستي. ولعلنا لا ننسى أبدا ما حدث في سربرنتشيا من تطهير عرقي ومذابح يندّى لها جبين الإنسانية، ولولا الإنترنت ما كنا علمنا بكل ما حدث من مذابح يشيب لها الولدان، كانت حرب قروسطى بامتياز ونحن على مشارف القرن الواحد والعشرين، نفس الأمر يحدث في غزة، هل نعي جيدا ما يجري؟؟!
{ يدخل القارئ معك في حالة متقطعة من مشاهد متعددة في أزمنة تختلف ضمن أمكنة لوطن أم هل تحاول رسم لوحات الحرب في مصر ضمن رؤى متفرقة يجمعها التشتت والتهجير؟
- يمكنك القول بأن الرواية كانت مشاهد متتابعة يسقط فيها الزمن ويتبعثر ولكن الاحساس هو الذي يعيد للمشاهد ترابطها، لقد عملت طويلا على البحث عن الصدق في العمل، هل الزمن هو الصادق أم الاحساس، توصلت بعد قليل إلى أن بعض الروايات يجب أن تعتمد على تواصل الاحساس، روايتي هي «متحف للأحاسيس» الإنسانية الغارقة في جمالية الكتابة و تواصل النفس السردي المفعم بالحركية الذاتية الداخلية، أظن انني أرى ذلك في المتاحف، بالفعل، العرض المتحفي قدّم أفكارا لما بعد الحداثة في الروايات فهو لا يعتني بالزمن بل يبعثره، لكنه يجعل من الاحساس البؤرة الإنسانية التي يجب أن نتوقف عندها.
{ بصمة الحرب في نفس الغلام أقوى من نفس الطفل بسنواته الأولى، هل أردت رصد أوجاع الشخصية الروائية بين التذكّر الحيّ والتذكّر الورقي؟
- ذلك بسبب انني بدأت من أحداث ١٩٦٧، عودتي للوراء كانت من أجل استعادة أحاسيس موغلة جدا في الزمن المتواضع البسيط لكنها أصبحت مع الوقت كتلة هائلة من أحاسيس محترقة ككتلة من الجليد تنزلق إلى الحافة، هذا أولا، ثانيا الأطفال ليسوا بهذه البساطة التي يعتقدها الناس، الأطفال أعمق من الكبار، فالحياة لديهم أبيض وأسود لم تتلوث بالرمادية بعد، الأطفال يلاحظون كل شيء بعمق ويكوّنون أفكارهم الخاصة بهم، التي لا تقلّ أبدا عما يراه الكبار.
{ ما رأيك بالسرد البريء وانهيار الأفلاطونية في معاني الحروب؟
- لا يوجد سرد بريء ولا أعترف بذلك.. كل من يكتب بوعي أو بدون وعي يمكنه أن يدلّنا على مفاتيح الحياة، لكن الحروب لا يمكن أن تعالج في الروايات أقصد بشكل مستمر من فوهة بندقية بل من قلوب الأطفال وضمائر الكبار أظن هذا سبيل مهم للكتابة، خاصة، وأن ذاكرة الأطفال تملك الكثير الذي لا يعرفه الكبار، ولن يعرفه أي إنسان لم يعش الحرب وهو طفل، الطفولة دائما عين ضخمة منفتحة على الذات، لا يغرّك هدوء سطح ماء الطفولة، فأعماقها أعقد مما نظن كثيرا.