بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 نيسان 2024 12:00ص الشاعر والكاتب المصري عمارة إبراهيم لـ«اللواء»:

«القصيدة يجب أن لا تقف عند أيديولوجية عقيدية أو سياسية؛ فهي ابنة الإنسان ولا أحد غيره؛ تدافع عن قضاياه العامة والخاصة»

حجم الخط
حاورته: ضحى عبدالرؤوف المل

في قصائد الشاعر والكاتب المصري «عمارة إبراهيم» تشعر أن الإنسان بكل تفاصيل حضوره يجب أن يكون أساس الفن بشكل عام، وهوية بيئته التي يعيشها في جغرافيتها وثقافتها، والشعر هو أبو الفن على وجه الخصوص؛ فقد مرَّ عبر عصوره بمتغيّرات كثيرة ومتعددة، توافقت مع البنية الاجتماعية والثقافية والمعرفية وحتى السياسية لكل عصر، لتختلف من عصر إلى آخر ومن أزمنة إلى أخري، تغيّرت فيها الأحوال والبنى الاجتماعية وثقافات بيئاتها المختلفة ولم يتغيّر الشعر في بنيته وتراكيبه وصوره وأخيلته التي باتت لا تتفاعل مع متغيّرات الزمن الجديد، وأصبحت لا تنسجم مع واقعنا وحاضرنا العربي وأصبحت لا تصلح لغير وقتها الذي كان في مبناه المكوّن من صدر البيت الشعري وعجزه أو ما يسمّى بنظم الشعر وعموده الثابت الراكد الذي قدّم أطره وتقنياته ليمثل الآن تراثنا الشعري الذي يجب أن نتباهى به ونبني عليه بمستجد التطورات الزمنية ومتغيّراتها في المكونات وفي النتائج الجمالية وقد مرَّ بمقاييس جمالية توافقت مع سالف بنيته وأدّت كل أغراضها الجمالية، خاصة أن الشعر كان من أهم وسائل الترفيه وعوز النفس البشرية له في ذاك الوقت البعيد. لهذا كان حواري مع الشاعر المصري عمارة إبراهيم الذي أتقن المقاصد الشعرية في أسلوب جمالي يؤدي الرسالة التي من أجلها نقول أن الشعر رأس الهرم الأدبي. وفي ما يلي الحوار الآتي:
{ شاعر وناقد ومسيرة حافلة بالإنتاج الشعري قبل النقدي، ما هو المعيار الأدبي الأكثر جمالا الذي تنطلق منه في الشعر أو النقد؟
- تغيّرت المفاهيم والوظائف الشعرية التي توجب منها أن تتغيّر بنيته «الشعر» الكلية لتؤسس لمخرجات جمالية جديدة، تتوافق مع بنية الإنسان في مستجد حاضره الذي تطوّر بشكل لافت عبر جغرافية حياته، تدعم هذه البنية قضايا وجوده وقضايا حياته وفعله واحتياجاته وسيكولوجية وتناغمية روحه مع نفسه وفق قضاياه العامة والخاصة ووفق مستجد المعايير الإنسانية الجديدة، لحماية وجوده الإنساني من مستعمرات سلطوية فوقية، تسعى للنيل منه ومن ثقافته وبيئته وعقائده التي تتوافق مع حريته الخاصة - لكنها التي يجب أن لا تخرج عن زمام عرفية وقوانين تنظيمها عبر كل بيئة وكل ثقافة وكل جغرافية أنسنته. إذا الشعر الآن يمثل الإنسان واحتياجاته المادية المؤسسة على معايير أنسنته في سيكولوجيتها المتوافقة مع بنيته الاجتماعية والثقافية والجمالية وعبر واقع حضوره وتفاعل ومعايشة أحواله في بيئته الخاصة؛ بمفاهيم جمالية جديدة، في بنيته وتراكيبه وأدواته ونتائج جمالياته، تخص البشر في حقوقهم وواجباتهم المتغيّرة التي تدعم الإنسان ضد نظم السلطات الفوقية الحياتية التي تعتمد على الظلم والقهر الذي يعيش بين أنيابه كل إنسان حرّ يملك موهبة الشعر ويملك أدوات ومكونات كتابته، كي يرتقي إلى عالم يملك ضمير هذا التعايش السلمي المرجو للإنسان مع أخيه الإنسان الآخر، المختلف معه في الثقافة وفي العقيدة وفي أشياء كثيرة بُنيت على أوجه معقّدة أنتجتها سياسات عالمية لا تتوافق ولا تنسجم مع معطيات جماليات الشعر التي لا تجمعها عمومية الماديات ولا يجمعهما غير عمومية السمو والضمير والعدالة وتوزيع الثروات الإنسانية بقوانين محايدة إلى التعايش السلمي في أمنه وفي مأكله وفي عموم حياته؛ فيمثل الشعر هنا ضمير الإنسان وقوة وجوده.
من هنا كان على النقد أن يتوازى مع هذه المكونات ومعطياتها الإنسانية التي تعدل من موازينه؛ يرتقي مع الشعر في حيادية علمية تضيف له بتعاطي معايير أعمالها الناقدة عبر هذا المستجد وواقعه مع مستجدات أخرى تدعم المفاهيم الجديدة التي يسعى الشعر لأن يكون بنيتها العامة التي تتمثل في تراكيب وأساليب وصور شعرية تبرز واقعية حضوره الإنساني، تدعم قضاياه العامة والخاصة، يؤسس جمالياته الجديدة عبر مكونات شعرية تمثل لغة وإيقاع حراك الأفعال التي تبني دوالها من منظور هذا التطور التقني في جديده، لإنتاج مدلولاتها المتسقة مع عوالمه المستجدة؛ يؤسس منها النقد تنظيراته ومناهج علومه وفق هذه المفاهيم التي تتناسب مع الحضور الشعري، ليتعاطاها النقد عبر علومه التي يستلهمها من الشعر وليس العكس وليس التعاطي مع تأسيسية النقد الغربي الذي يختلف كلية عن مفاهيم شعريتنا العربية المكلومة والواقعة بين أنياب العمل النقدي غير المؤسس له من لغتنا وبيئة وثقافة وجودنا وبين أنياب سلفية نظمه وعمله الضيق الذي تجمّد ووقف عند المدارس الشعرية الكلاسيكية التي أدّت أدوارها ووظائفها عبر الألفية السابقة، وتحتاج إلى التغيير الذي يتناسب مع تطور ومستجد الإنسان وقضاياه واحتياجاته الجمالية التي يتبنّاها العمل الشعري الجديد.
{ الكمال الإنساني هدف الأديب أو الشاعر رغم التنوّع في الكلمة، ما رأيك؟
- الشعر دائما هو تطلّع وبناء جديد للغة في أنساق أفعالها الإنسانية لإنتاج بنية كلامية مغايرة ومتفردة عن الكلام التقليدي، يعتمد فيها على تقنية العمل التي تضيف لوجوده عبر بيئته وزمنه وقضاياه الوجودية المبنية على هذه اللغة التي يجب أن تتطور وتتسع بتطور واتساع العمل الشعري الذي يجب أن ينسجم مع بيئة وثقافة حضوره؛ يجدد من بنيته ومن لغته وأساليبه وتقنيات عمله بحسب تطور بنية الإنسان الاجتماعية والثقافية والسياسية؛ فالشعر هو المادة الكلامية الرئيس في مجرى ومعطى الإنسان وجوهر حضوره وتطلّعه نحو الرقيّ والسمو للتعايش المجتمعي النبيل.
من كل هذا لا بد للشعراء أن يجتهدوا في هذا العمل الذي يحقق من شعريتهم هذا التطلّع المعيشي المبني على الجمال والسلام والرقيّ، ولا بد له أن يتماس ويتعايش مع واقع بيئته يمنحها معطيات إنسانية تدعم هذا التعايش ورقيه وأعماله الجمالية المتطورة بتطور وجوده ليرتقي ببيئته يناصر قضايا وجودها وتتسع منه الرقعة الثقافية والمعرفية والجمالية التي تحقق لجغرافيته التفرّد والمختلف في رقيّه عن بقية الجغرافيا التي يضعف الشعر فيها وربما يموت!
{ ما الذي يصرفه الشاعر من عمره من أجل القصيدة والتضحية الشعرية وأنت تخوض مضمار النقد والصحافة؟
- التأريخ أكد لنا أن الشاعر العربي يمنح للشعر ماله وعمله ووقته وصحته من دون مكاسب مادية؛ بل يكون الممثل الشرعي المناهض للسلطوية الظالمة ولبيئة جاهلة ولثقافة راكدة وللتعايش المبني على القهر والظلم والاستبداد؛ فهو التيار الإنساني الذي يناهض كل شيء يكون ضد الإنسان أو يكون ضد تطور بنيته الاجتماعية؛ فالشعر هو الكلمة الفريدة التي تبني قوة حضورها الجمالي ضد كل ما هو غير إنساني، فمن ذلك لم يخلّد اسم شاعر عند سلطة جمعية مؤسسية إلّا لو كان الشاعر ابن بيئتها القاهرة المستبدة وتم توظيفه على هذه الانساق التي تمثل قبح الشاعر بقبح السلطة القاهرة إن وجدت، فيعيش ويموت من دون مكاسب كان يجب أن تتحقق له في ظل سلطة ما تقدّر هذا العمل السامي المتفرّد.
{ أين أنت من الشعر الغنائي وما رأيك فيه حالياً؟
- الشعر الغنائي توقفت بناه وتطور وجوده بتوقف الطرب الأصيل الذي تمثل في أم كلثوم، نجاة الصغيرة، فيروز، فايزة أحمد، عبد الحليم، فريد الأطرش وغيرهم من الذين غنّوا لكبار كتّاب الأغنية العربية.
الآن لا طرب ولا غناء يستدعي الشاعر أن يكتب للأغنية الشرقية التي تأصّلت ببيئتها وثقافة وجودها الاجتماعي الذي كان؛ من هنا ابتعد الشعراء الحقيقيون عن الكتابة بعدما قدّم نزار قباني ما لديها من عمل شعري.
{ ما القصيدة التي تثير اهتمامك، وما رأيك بالشعر السياسي وهل يتجنّبه الشاعر في عالمنا العربي؟
- القصيدة يجب أن لا تقف عند أيديولوجية عقيدية أو سياسية؛ فهي ابنة الإنسان ولا أحد غيره؛ تدافع عن قضاياه العامة والخاصة، تبني جديد لغة بيئته وتطوّر انساقها الاجتماعية والثقافية، تدافع عن قضاياه الجمعية وحتى قضية الفرد بما يتوافق وينسجم مع ثقافة وعقائد هذه البيئة وجغرافيتها التي ينتمي لها كل شاعر.
{ تتمرّد على الواقع وتنتفض مع القصيدة على المقيّد والممنوع؟
- التمرّد على الواقع الذي يجب أن يتغيّر للأفضل فيتمثل في عدالة حياة وأمن وسلامة التعايش الإنساني الصحيح وضد أي سلطة علوية في مجتمعاتنا بَنَتْ سياساتها وأعمالها لصالح قوتها لا قوة الجماعة أو البلد أو الأمة التي تحكمها وبنت وظائف مؤسساتها على الظلم والاستبداد وقوة نفوذ الفرد ضد جماعة أو مجتمع أو دولة أو أمة و لا بد للشعر أن يتمرد على هذه الفوقيات القاهرة؛ فيبني حضور كلمته على تأسيسات قوية تدعم حيادية السلطات في مجتمعاتها، وتدعم الدول وحكامها ضد المستعمرين للأرض ولثروات الإنسان فوق أرضه وحدود دولته. يجب أن يكون الشعر دستور جمال الإنسان في كل بقاع الأرض لأن الشعر الآن يجب أن يكون رسول السلام على الأرض بعدما أصبحت قبورا وموتا للبشرية من سلطات ونفوذ القوى العالمية التي لا تملك غير عقيدة الشيطان.