تهز «لانا نيوستورم» (lana newstorm) جوهر الفكرة المتخيلة والمتذبذبة بين الحقيقةالفنية والحقيقة المفبركة، وانعكاس ما يتراءى من الداخل المتخيل للاشخاص الذين يترجمون كل ما هو غير مرئي او كل ما هو مجرد تهيؤات تمر اخيلتها امامك ، وانت تقف امام لوحة فنية غير مرئية تجعلك قادراً على خلق كذبة امامك او اعادة شريط ذكريات او رؤية انعكاسك الداخلي في الفراغ او على جدران تترجم الظل، فتجعل منه لوحة فنية تحيا فيها ضمن تأملات المرئي وغير المرئي، كتحليل ذاتي هو تضمين لحالة الهيمنة غير الملموسة على اللوحة، والتي ترسمها التهيؤات النفسية لمن يراها خاصة ان كانت على جدران مسلط عليها الضوء، فتستند الحركة على ما يمر امامها، وهذا ينتج اختبارات للوعي ولمفاتيح الانتاج التخيلي. مما يجعل الرؤية للحقيقة معاكسة وهنا اتساءل ماذا لو لمسنا الفراغات او تركنا للتهيؤات النفسية وجودها؟ واين يكمن عدم التجانس بين الواقع والخيال او بين الواقعي والسريالي والانتاج الفني هنا مرتبط بتوازن القوى بين اللوحة والضوء والخيال، ومن منظور تحليلي لكل ما هو مخفي او موجود بمعنى ان وجود الاشياء من حولنا لا يرتبط بمدى رؤيتنا لها ، وبهذا تكون «لانا نيوستورم» عكست حقيقة الفن المرئي وغير المرئي من خلال لوحة يرسمها المتلقي في مخيلته، ويختبر انعكاس وجوده فيها، مما يمنحه زيادة الوعي لاكتشاف اهمية المرئي وغير المرئي، والقبول او الاعتراف باهمية كل من حولنا. فهل نحتاج الى لوحة لاشىء مرسوم فيها لندرك اهمية المخفي والموجود ام صدق من قال الفنون جنون ؟
تطرح «لانا نيوستروم» من خلال عملها الفني غير المرئي اسئلة عديدة هل تنتمي لوحتها او بالاحرى فكرتها للفن او لا تنتمي؟ الاانها تثير الخيال وتحفزه دون ان تستهزىء بالقوة البصرية الكامنة في تمرير الضوء، لينشأ الظل او شفافيات الضوء بين الفراغات التي نشعر انه لا وجود لنا فيها ، ونحن نربط تأملاتنا في علاقات القوة والضعف في كل شىء من المدن الى القرى الى العشوائيات الى الابراج الى كل ضجيج بصري نكتفي من خلاله بما نراه. فهل تجبرنا لوحة «لانا نيوستروم» الجنونية على اكتشاف ما هو غير موجود او غير مرئي؟ وفي جميع الحالات الامر يتعلق بالتساؤل والتحفيز، لتعميق مفهوم تجربة اكتشاف كل الملامح التي يكتشفها الفرد من خلال ربط التفكير بقضية اختفاء كل شخص من هو؟ واين موجود. ربما في لوحتها تظهر فلسفة المرئي وغير المرئي او فلسفة جمال المجتمعات بما فيها من موجودات تتكامل مع بعضها البعض. الا ان المتأمل للوحاتها يخرج باحثا عن وجوده ووجود الاخرين من حوله ، وضمن شريط من الموجودات التي افتقدها في حياته، فهل في الفن قيمة غير المرئي هي قيمة المرئي تماما؟ وما هي الاشياء غير المرئية في اللوحة التشكيلية التي تترجم كل ما هو مرئي ملموس الى محسوس مختلف.
ربما ما قامت به «لانا نيوستورم» يثير سخرية البعض، وربما هو نوع من الانتفاضة الصامتة على الفن المعاصر. الا انها في كل الاحوال وضعت لوحاتها في مزاد علني، وحققت مبلغا يثير السخرية بحد ذاته، ولكن ما بين المرئي وغير المرئي نحن بحاجة الى مساحات شاسعة من فراغات حيث لا شىء الا انفسنا، كالعزلة الخلاقة التي تولد اعادة احياء لكل ما بداخلنا لنتحرر منه، وربما هذا ما جعل الاقبال على مرور الناس امام جدرانها الفارغة يحظى بجمهور واسع ومبالغ خيالية. فهل شكلت لوحاتها صدمة فنية معاصرة؟
dohamol@hotmail.com