بيروت - لبنان

21 شباط 2024 12:00ص سُلطة الخط في أعمال الفنان التونسي «الصادق قمش»

حجم الخط
يتخذ اللون والإيحاء الحركي مذهباً في طمس معالم الخط ومعالمه الفنية في أعمال الفنان التونسي «الصادق قمش «(Sadok Gmach)  وبارتجال لا يخضع لامتداد الخط أو تياراته الهندسية،  وإنما يمنح اللون سلطة الخط لكي تولد الإيحاءات التراثية للإنسان العاشق للألوان التراثية،  وإن ابتعد عن تحديد الهوية التونسية، وإنما أوحى لها.  لتكون مدرسة جمالية خاصة،  وفق مفردات بصرية تكوينية في أبعادها التراثية،  وإن منح اللون سلطة الايحاء الحركي.  إلا أنه استطاع تحرير الريشة،  وبمزاجية الرسام العاشق للتراث التونسي بكافة أنواعه الأصيلة غير الدخيلة على مجتمع يرى فيه قوته بتمرده الفني . إذ نستكشف في أعماله قوة إيحائية خفية في ألوان شبحية تتراءى من اللون وأسسه العميقة المؤثرة في استحضار التعبيرات المولودة من تدرجات اللون نفسه ، وبخاصة ردود الأفعال الحسية لكل لون الناري منه أو البارد لبث روح الوجود التونسي في اللوحة دون مباشرة ولا تورية،  وإنما الرمزية المخفية للون كعنصر حياة يضج فيه الضوء والظل، ويخاطب من خلاله العالم بأريحية ذات فراغات فاصلة بين موضوع وآخر . فهل إيقاع اللغة البصرية في أعماله هي إيحاءات الألون الباردة والنارية؟ أم هي مفاتن التراث التونسي في الفن التشكيلي الذي أبدعه الصادق قمش؟ وهل من فلسفة خاصة في اتجاهات رؤيته المخضبة بالألوان التونسية في الملبس والطبيعة الاجتماعية؟ وهل التنسيقات البصرية المعززة بالألوان هي حكاية الصادق قمش الخاصة في الفن التشكيلي؟ 
يتدفق الضوء من كل لون يشحذه بروحية خاصة به ، ويتركه ضمن مصنفات يتعمد توشيحها.  لتوحي بالحركية المحسوسة كالأطياف المترائية من بعيد وقريب.  لتوسيع المنظور الاجتماعي تحديداً،  بروحية بصرية متعددة الأبعاد لونيا ، وهذه ميزة «الصادق قمش» أو المصطلح التشكيلي الخاص به،  وضمن تقنيات وأساليب تتداخل فيها معاني الحيوات في المجتمعات كافة بمعنى التداخل اللوني الرمزي بمعناه التعبيري الماضي والحاضر والمستقبل في شكل واحد يحمل عدة أطياف لونية مختلطة هي الأجيال بمعناها المجازي والواقعي، ولكن في شكل هو تراث بحد ذاته، وكأنه يراقب تطور التراث التونسي عبر الأجيال من خلال الفن التشكيلي وفي لوحة واحدة. إذ تتضح معالم كل ذلك في لوحة واحدة، وكأن كل لوحة من لوحات الصادق قمش هي عنوان مغطس عربياً بالألوان وضجيجها. لتصبح لغة عالمية لجمال تونسي مشرقي هو تعبير عن قوة الإنسان ووجوده في هذا العالم . فهل خلجاته الوجودية هي تشكيل إنساني مرتبط بقوة التراث؟ أم أنه استطاع تحديث الفلكلور التونسي بما يتناسب مع تطلعات العالم الجديد؟ 
ما من تكرار في لوحات الصادق قمش، فهو في كل لوحة يخاطب الإنسان بصريا،  بقوة الإيحاء الذي يستطيع من خلاله التجديد إذا جاز التعبير. فترسيخ الإيحاء اللوني يعكس الجذور العربية وإن بشكل غير مباشر إلا أن إيقاعات الألوان هي لغة تشكيلية ذات حداثة قائمة على معنى الطيف اللوني،  والظل الناتج عن تباعد الألوان وتقاربها،   وبمتعة بصرية تجعل المتأمل يتعمق في فلسفة لوحاته الإجتماعية قبل التشكيلية ، وفلسفتها اللونية قبل الجمالية،  ويجعلك في تونس الجمال عبر الألوان الخاصة والحيوات التي ترتكز فيها . لست هنا في مقال فلسفي عن جماليات لوحات الصادق قمش.  بل عن إيضاح قوته في تمسكه بالجذور وبحداثة يجعلها مفتوحة على كينونة العالم أجمع،  وكأنه يتفاخر بانتمائه إلى أرض ولد فيها  وإنسان عاش معه كجده وجد جده وتسلسله العائلي.  ليصل إلى الانسان بكل أطيافه وتنوعاته وعبر الرسم ومتعة الإيحاء التي يتقنها . فهل في ألوانه هالة زمنية تتعاقب من خلالها الأجيال؟