بيروت - لبنان

11 تموز 2023 12:00ص عصر الجنون الاصطناعي والابتكار الآلي في الفن

حجم الخط
تبلغ الأشكال كمالها عندما تدرك الزمن وتُصبح بحد ذاتها مخاطبة للعقول في كل زمان ومكان، والإحساس بأن الزمن عجلة تدور في الكون وتعيد للأشياء وجودها بعد غياب قد يستمر سنوات، وقد يتبع ذلك الحالة التطورية للأشياء عبر العصور وإمكانية إعادة الإحياء لفهم الرؤية التي انبلجت منها آنذاك، كما يمكن للتجارب الإنشائية التي تتحلل وتتركب عبر التحريك الآلي المبرمج، كما هي الحال مع الفنان «باتريك تريست» (PatrickTresset) والخربشات المؤدية إلى تفعيل لغة الرسم عند الرجل الآلي أو اليد المنتمية لعصر الذكاء الاصطناعي في الفن. فالمسمى الوظيفي لليد المطعّمة بالذكاء الاصطناعي عند «باتريك تريست» هي البرهان على الابتكار العصري في الانتاج البصري المتجدد، والمرتبط حالياً بتوليد الأنماط المختلفة من الخطوط التي تشكّل نوعا من المسارات التأليفية، المنسجمة مع العقلنة والخيال والموضوعية في الابتكار الابداعي. فهل يمكن أن نتخيّل أن منحوتات آل بصبوص يمكن أن تقود المخيّلة إلى ابتكارات أوسع جيوماتريا من خلال الذكاء الإصطناعي في المستقبل؟ وهل يمكن التلاعب بالأشكال النحتية التركيبية تبعا لحالتنا المزاجية في بيئة نعيش فيها التطورات التقنية في كل شيء؟ وهل سنشهد ابتكارات فنية تشكيلية يمكن للذكاء الاصطناعي تطويرها مستقبلا وينتج عنها اختراعات تدفع بالفنانين للمزيد من الإبتكارات في الفن؟ أم أن مستقبل الفن سيتوقف على الابتكارات الفنية التقليدية وما يمكن أن ينتج منها عند وضعها أمام اليد الفنية التي تنتمي للذكاء الاصطناعي؟ وهل الفن التقليدي القديم هو النواة الفنية التي يمكن أن تكون الوجبة الدسمة للفنان الآلي؟ أم أن ما لم يمكن توقعه في الأدب والفن يمكن حدوثه في علم البرمجيات الحديث؟
قد يُشكّل كلامي نوعا من الإستغراب لكن ثورة الذكاء الاصطناعي تهاجم الإبداع البشري بكل أنواعه، فمن كان يصدّق أن نرى أم كلثوم تُغني على المسارح بعد موتها من خلال برامج الذكاء الاصطناعي المتطورة، رغم أن المعنى الإنساني أو الروح البشرية متواجدة بقوة، وأن الأسس تبقى ثابتة، خاصة بما يتعلق بكنه الأشياء وماهيتها، ولا يمكن التخلّي عنها بالوقت الحاضر على الأقل، كما أن إمكانية تغييرها ترتبط بالفعل الذي انطلق منه الفنان، كما هي الحال في أعمال الفنان مايكل انجلو. فالإمكانيات الجديدة التي تولدت من برامج الذكاء الاصطناعي المتطورة باتت تثير الكثيرين من عالم الفن، وتجعلنا نبحث عن العقل الفني في الأعمال الفنية، بمعنى تطور الأعمال الفنية القديمة في العصر الحديث، لتصل إلى مبلغ التكوين المتجدد بصورة مدهشة ومثيرة للعقل قبل الوجدان، فإنشاء أشكال جديدة تتوالد تباعا من خلال تقنية تغزو العالم رويداً رويداً، هي بمثابة إعادة إحياء الأزمنة، وما دار فيها بروح العصر المتّسم بالذكاء أو الشعلة الحتمية الوجود، لتشكّل نوعا من التجديد في الرؤية العصرية للفن بشكل عام، على الرغم من وجود المخاوف والتشكيك بدور هذه التقنيات التي ما زالت تثير الكثير من الجدليات، إذ تتيح تجربة الفنان «باتريك تريست» المقيم في بروكسل استكشاف سمات العصر القادم إلينا، والذي يعكس قيمة الفكر الإنساني عبر العصور من خلال الامتثال لليد الآلية التي يمنحها النواة الفنية، لتثمر روبوتيا فناً يشهد على قوة الإنسان الإبتكارية من خلال الأنظمة الحاسوبية، وعلم البرمجيات الذي يعيد انتاجيات العالم القديم في عصر أقل ما يقال عنه عصر الجنون الاصطناعي والابتكار الآلي في الفن. فهل هذه دعابة العصر الجديد الذي يمثل المستقبل القادم إلينا؟ أم أن ما فعله باتريك تريست هو تماما ما فعله هيتشكوك في زمنه وامتد حتى زماننا وكان بمثابة ثورة آنذاك؟ وهل ستصبح اللوحة التشكيلية في عصر الذكاء الاصطناعي لوحات ابتكارية تُشكل نوعا من الرؤية الحاسوبية التي تتعادل مع قوتها أو ضعفها؟