بيروت - لبنان

اخر الأخبار

23 نيسان 2024 12:00ص في الشعر !

حجم الخط
قيل إن الشعر ديوان العرب، وأنه كلام مقفّى موزون، وأنه فاكهة الألباب. وقال معاصرون أنه خفقة قلب وخلجة نفس وخطفة خيال، وأنه بالإجمال إحساس الشاعر بالحياة.
وجاء دور العلماء المفكرين فقالوا إنه أداة الإدراك الحدسي من طريق الحماسة العاطفية، وأنه اتحاد الجمال بالطبيعة والتعبير الساطع عن الحقيقة.
أفادهم الله! نحن لا نحتاج إلى العلم وحتى الفلسفة في تفهّم الشعر. يكفينا أثره فينا، ويلذ لنا أن يبقى الأثر سرا غامضا في نفوسنا، لأننا نضن بالنشوة الروحية أن يفسدها التشريح والتعليل. والذي يستنجد بالعلم لتفسير السحر الكامن في الشعر، كالذي يفسر بالمعادلات الرياضية والمعطيات الكيميائية سر الفتنة المنبعثة من نفحة العطر في الزهر، ومن بهجة الألق في الشفق، ومن رفّة النعيم في خطرات النسيم.
للشعر أصوات كثيرة، فهو في آن واحد يخاطب القلب والعقل والأذن في حالتي الوعي واللاوعي. وبهذه الحواس مجتمعة نحن نتذوّقه. نرهف السمع لأنه يكلمنا بالألحان، ونفتح له الصدر لأنه يغني للقلب لا للأذن فحسب، ونصوّب عليه الفكر لأن الكلمات لا تحيي بالنغم وحده، ونعرض شعورنا لاهتزازاته لنختبر صدق الانفعال فيه وقوته ومداه، بمقدار ما ينتقل إلينا من تلك الاهتزازات.
إذا الشعر لم يهززك عند سماعه فليس جديرا أن يقال له شعر!
لا شك أن الموجة الموسيقية وطيف الخيال هما من الشعر، ولكن، ليسا كل الشعر. للفكر وللعاطفة حصة الأسد فيه، وعلى الشاعر الناضج أن يشعر بمسؤوليته أمام الحياة، وينزل من دنيا الخيال والأوهام، إلى دنيا الواقع، ويعالج القضايا النفسية والاجتماعية والوطنية، التي تثير الاهتمام في محيطه، أو التي تشغل بال البشر منذ الأزل.
الجمال المثالي عاجز عن تعزية الناس من أحداث الحياة، والحياة أكثر غنى وتنوّعا وأهمية من أية قطعة من الخيال، أو تهويمة من تهاويم الأحلام، أو همسة غامضة من الهمسات...الشاعر رسول، ورسالته تقوم على إثارة الاحساس في الجماهير من طريق الفن، توسّلا لإقناعهم بالرسالة من طريق المنطق. عليه أن يروي ظمأ نفسه، ويشبع مجاعة الأرواح من حوله، بماء الحياة يسكبه من أجمل الكؤوس، كؤوس الفن، والفن، كما رأى طه حسين، ما هو إلّا الارتقاء بالأشياء من الحياة الواقعية، دون الخروج منها.
د. جهاد نعمان - تكساس
أستاذ في المعهد العالي للدكتوراه