7 تموز 2023 12:00ص لوحات تعطي القصيدة قوة أكبر للتعبير البصري للفنان أيمن الدقر

من أعماله من أعماله
حجم الخط
 تبلغ هيبة الكلمة قوة عندما تصبح أداة للمعرفة، وتساهم في تكوين المحاكاة البصرية. إذ استطاع الفنان التشكيلي الدمشقي «أيمن الدقر» (Ayman Aldakr) الإنغماس التعبيري لتتشكل صيغة تشكيلية ذات سمة شاعرية في لوحات استمد أغلبها من قصائد لنزار قباني وجعل منها أيقونات دمشقية مما يؤكد على معرفته الدقيقة بخبايا الكلمة، فقد استطاع الوصول للمعنى المتخيّل بطرق تشكيلية مختلفة ارتبطت بالإبداع الشعري، والإنطباع الظلي المستوحى فنيا من أفكار شاعرية معينة بثّها الشاعر «نزار قباني» واستقرّت بين أنماط التعبير المختلفة التي تأثر بها الفنان التشكيلي «أيمن الدقر» الذي وافته المنية عن عمر يناهز 69 عاما. وقد تميّز باستخدامه اللونين الأبيض والأسود، ومن أقواله «يحرّضني شعر نزار قباني على الرسم. وأكثر ما يستهويني هو قصائده عن مدينتي دمشق، حيث أشعر وأنا أرسم بيتاً من إحدى قصائده بأني أدافع عن دمشق التي أعشقها». فهل من تناضح بين الكلمة والخط واللون لإعطاء المعنى وضوحاً أكثر يتمثل في سعة الإطّلاع التشكيلي عند الفنان والشاعر مما يسمح لريشة الفنان أن تتناسى الكتابة وتبدأ بالرسم؟ أم نحن أمام لوحات تعطي القصيدة قوة أكبر للتعبير البصري والدافع الفني للابتكار لتعزيز حفظ التراث الدمشقي تحديداً؟
تلتقي جماليات الخطوط الحبرية وزركاشتها الدقيقة مع الدمشقيات الشاعرية في لوحات الفنان «أيمن الدقر» وخطط هياكلها التي تبدو متقاربة، ومستلهمة من دقة التفاصيل الشعرية المستوحاة من كلمات خاصة بالتراث الشاعري، لمدينة هي امرأة تاريخية، وتُشكل استقرارا نفسياً للشاعر والرسام في نفس الوقت، وضمن بوتقة بصرية ذات تشكيل يكشف عن المبنى الفني في القصيدة النزارية، الأكثر جمالا من امرأة تغنّى بها نزار وأكثر مما قيل فيها، ليزيّن بريشته مختلف الحركات البصرية التي تنمُّ عن معرفته بخبايا الكلمات، فيمنحها نوعا من التخطيط النابض بالحياة، وقد تكون تأملات تنتصر فيها الحياة على البؤس وتمنحها عناوين لخرائط بصرية هي كتلة ذات تضاريس تشبه امرأة فاتنة ينتج عنها عدة انطباعات وجودية محفورة في ذاكرة الخلق بالأكمل وهي التي تتكاثر معها الأجيال، كما الخطوط المتشابكة والمعقّدة والتي تقودنا إلى التعمّق في جوهر اللوحة. فهل العاطفة المتأججة المخبأة في الكلمة ينتج عنها أفضل التعبيرات التشكيلية في لوحة ما؟ أم هي إخفاء القصيدة في معنى اللوحة ليتولد عنها عدة تعبيرات بصرية تؤدي بعفوية وظيفة القصيدة التي يطلقها الشاعر في حياته وتصبح ملهمة للكثير من الفنانين كما هي الحال مع الفنان أيمن الدقر؟ وهل مقارنة أبيات القصيدة بالنماذج التشكيلية في فن الدقر هي حقيقة الإنفلات من قيود القصيدة ومصطلحاتها التي تختبئ فيها التحولات المتخيّلة بصرياً؟ أم هو حاول جلب القوة البصرية إلى لوحاته من خلال شاعريتها وتراثيتها المرتبطة بمدينة دمشق ونزارها لتقطير الشكل وجعله كالبخور مدى الحياة؟ وهل إحياء الكلمة يشبه تماما إحياء المدن التي لا تموت؟
تبدو رسومات «أيمن الدقر» أكثر تباينا من الشعر الذي يستعير منه الإتجاهات التعبيرية المختلفة، والمقيّدة بخطوط دقيقة هي الهوية الفنية للوحات تحفز المفهوم الشاعري وجماليته في الأدب والفن، بل وأهميته سياسيا خاصة عندما ينتمي لمدينة تعشقها العيون التي تحفظها وتنقشها في الذاكرة الفنية، لكل مهتم بالفنون بكل أنواعها، لتساهم اللوحة في خلق تمثيلات لها عدة تأويلات، وتميل إلى الشرق أولا لما تحمله لوحاته من معنى تكويني يتعلق بقوة اليد التي ترسم وفق عدة مستويات من التشكيل المنسوج من المعنى بمهارة بصرية تُشكل تأكيداً على ما هو مستوحى من قصيدة تتكيف مع التشكيل، وتتوازن معها الخطوط الأكثر تنوعاً وعمقاً، وتثير قوة الدمج في الفنون البصرية التي تتبنّى لغة الشعر عند الكثير من الفنانين الذين هم بحق من يمتلكون قوة الإيحاء الشعري بعيداً عن التناقض الذي يلحق الضرر بالقصيدة، وإنما يوحّد بين الفعل والحركة والرؤية الداخلية للقصيدة من خلال الرؤية الخارجية التي تشكّل بداية انطلق منها الشاعر ورسمها الفنان التشكيلي، مما يجعلها تستحوذ على لغة التعبير الفنية. فهل تعطي اللغة الشعرية القوة التشكيلية، وتستطيع إبراز بواطن المعنى؟ أم أن الدقر اهتم بالدمشقيات بينه وبين نزار قباني؟ وهل تموت كلمة أحياها الفنان التشكيلي في لوحة؟ أم أن الفنان لا يموت، إنما يرحل وتبقى افكاره بجمالياتها في الحياة؟