بيروت - لبنان

2 حزيران 2023 12:00ص هشام فياض في «عندما يعتذر الشروق»: السرد الشافي للتعافي

غلاف الرواية غلاف الرواية
حجم الخط
ارتبط الأدب بمفهومه الأخلاقي والصحي الذي عرفناه سابقا في بدايات الأدب الغربي بالكوميديا، وهذا عرفناه مع موليير وبصورة نمطية تطور فيما بعد من الأصول المسرحية في الأدب إلى الرواية. ففي رواية «عندما يعتذر الشروق» للروائي «هشام فياض» استقر السرد الصحي ليكتسب نوعاً من التكثيف الإجتماعي المغطّى بالمعضلة الصحية لأبناء القمر، وهذه مسؤولية روائية تتضمن مساحة ذهنية تعصف بقوة في الوجدان، ونستطيع من خلالها التقاط إشارات المرض الحقيقية البارزة في الكثير من المعتقدات المسمومة، والتي تتسبب في ردّات انتكاسية أشبه بالشفاء ومن ثم الإنتكاسة ومعاودة المرض من جديد بعيداً عن الثانويات الأخرى، برغم أهميتها فالوظائف الصحية سلوكيا تكشف للقارئ قضية تهز المجتمع العالمي وليس العربي فقط، ومن هنا اتخذ السرد أسماء غريبة رغم المكان. إذ أن الصورة الأنثروبولوجية للمرض هي ذخيرة هذه الرواية التي تلتف على المفهوم الأخلاقي والصحي للمجتمع الذي لا يخلو من أمراض أخرى أكثر خطورة من مرض أبناء القمر. وهو هنا أي الروائي لم يقف محايداً. فالموقف يفرض المعالجة من نواحي متعددة، وإن خلف ستار الشخوص، وهذا ما فعله الروائي هشام فياض الذي جعلني أقرأ هذه الرواية أكثر من مرة، وجعلني أقف احتراما لرجل كتب أمراضنا الموجعة جداً عقائديا وارتدادها على من يتبعها ومن ثم ينفصل عنها بسببنا. أننا مرضى التقليد الذي يحتاج لإعادة ديناميكيته من جديد ليتحرر من الفيروسات المصاب بها. فهو لفت نظر القارئ لمرض ذي خاصية ربما نجهلها بنسبة كبيرة من القرّاء، وهذا هو دور الروائي لفت أبناء المجتمع للأمراض التي تفتك به. فهل أدوات التحليل في النص الروائي تكشف عن مرض يهز المجتمع؟ وهل الموقف الإرتدادي لبعض الشخصيات في رواية «عندما يعتذر الشروق» ناتج عن فيروس اخلاقي فتك بنا؟ أم أن الروائي تجاوز العنوان المجازي ليضعنا أمام حالة صحية تحتاج الشفاء للوصول الى مفهوم أخلاقي يسود المجتمعات كافة؟ وهل اللحظات الحاسمة في الحبكة الروائية الملتوية هي لتوسيع السرد الشافي للتعافي من الأمراض المجتمعية؟
قبل الخوض في تحليل الرواية بشكلها الصحي والحيوي الذي يثير عدة جدليات لا تحد من معقولية الرواية أو واقعها المتخيّل، المتوافق مع القواعد الكلاسيكية للرواية مع المراعاة بالتطور الذي يشعرنا بأهمية المرض ومعالجته، وطريقة التعامل معه بعيداً عن المخاوف العميقة الناتجة عن الإضطرابات الأخلاقية التي تشكّل مجموعة من الأمراض المجتمعية، إضافة إلى مرض أبناء القمر والتدهور النصف عقائدي المشابه لهذا المرض. فبعض النقاط التي حدّدها الروائي «هشام فياض» لينطلق منها وفق دائرية تناغمت بين ما هو بالخارج والداخل، لتسليط الضوء على البؤرة الأساسية للمرض المجتمعي الذي يتخطى من خلاله الفرد أبعاد المعتقدات الدينية، والأخطاء التي تتسبب في الإرتداد المرضي ما بين الظلمة والنور، كمرض أبناء القمر وما يحتاجه من رعاية ضمن إبراز المشكلات المتعددة، وهي مرضية بمجملها بأسلوب اجتماعي. إنها سلسلة من الأحداث والإقتران المثمر بين الأمراض المختلفة، والتي لا نشعر بها ولا نحاول معالجتها، إلا بالتفكّر والتبصّر بعد معاناة نعيشها. فالشخوص في الرواية وتلوينهم الإنتمائي من خلال الأسماء التي اختارها! هي برمزيتها تمنحنا الضوء لبناء وجهات نظر مختلفة من حيث الداء الإجتماعي والدواء الشافي. فمن روبرت إلى عبدالرحمن المرض الإنساني واحد، وهو التشقق والتصدع اليقيني بما نعتقده، وليس ما نؤمن به. فهل استطاع «هشام فياض» في روايته «عندما يعتذر الشروق» اغراقنا بظلمة ما نفكر به؟ أم أن السلوك الإنساني لا يحتاج الى كل هذا التعقيد وكأننا مرضى أبناء القمر الذين يعيشون في الظل أو الظلمة؟ وهل الروائي هو الطبيب المثالي في المجتمع فعليا؟