بيروت - لبنان

اخر الأخبار

14 آذار 2023 12:00ص الاتفاق الصيني - السعودي - الإيراني

حجم الخط
تُعرف الإتفاقات وفقاً للعلوم السياسية على أنها إتفاق مكتوب بين دولتين أو أكثر تحدِّد إلتزاماتها وحقوقها في مجال محدّد. كما تنص بعض أبواب العلم السياسي على أنه يمكِن إستعمال مصطلحات مختلفة أخرى كما تختار الحكومات محتوى الإتفاقيات في حال قررت أن تتبنّاها. كما يجب ألّا تتناقض أحكام هذه الاتفاقات مع القواعد الآمرة التي تُلزم جميع الدول وهي أحكام القانون الدولي، بالإضافة (ودائماً إستناداً للقانون الدولي وعلم السياسة) إلى ذلك تقبل جميع الدول بعد إلتزامها بميثاق الأمم المتحدة أنّ ميثاق الأمم المتحدة يسود على أي إتفاقية دولية أخرى (المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص «إذا تعارضت الإلتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة مع أي إلتزام دولي دولي أخر يرتبطون به فالعبرة بإلتزاماتهم على هذا الميثاق»).
بالإشارة إلى الإتفاق التي رعته الصين مع المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية يقتضي الخوض في مضمون هذا الإتفاق بإستيعاب القواعد العامة المتعقلة بإبرامه كمصدر من مصادر القانون المتفق عليه، والقانون الدولي يقول بأنه يخضع إلى إستقلالية الدول وعدم التعاطي بشؤونها وفقاً للأصول. وهذا الإتفاق إستناداً إلى نصوص قانونية من المفترض أن يخضع بطابع شبه إلزامي على الدولة الراعية والدولتين المعنيتين الإلتزام حرفياً بما إتُفِقَ عليه مسبقاً.
هذه المقالة تهدف إلى دعوة كل باحث إلى البحث ومناقشة مندرجات الإتفاق الصيني - السعودي - الإيراني بالنظام المحلي - الإقليمي - الدولي، وتسليط الضوء على القضايا الأساسية للدول المعنية التي يطرحها هذا الإتفاق لناحية الأوضاع القائمة في كل من الدول التالية: اليمن - العراق - سوريا - لبنان، والهدف من تفحّص هذا الإتفاق التعمُّق في فهمه بمردود التغيّرات التي تتم في هذا المجال على واقع هذه الدول المعنية، فضلاً عن مناقشة الإتفاق بعمق وأثره على الدول المعنية ومنها الجمهورية اللبنانية.
إنّ عملية التوفيق بين المعايير الأساسية لهذا الإتفاق وبنوده كما هو مطروح للرأي العام في إطار ما تمّ نشره عن المفاوضات التي جرت قد يكون لها ربما عواقب وأثار على معايير الأوضاع العامة في الجمهورية اللبنانية، إذ ستقوم هذه العملية بتقليص مرونة تعريف وتحديد شروط الإستحقاق الرئاسي، وغيرها من الأمور العالقة في هذه الجمهورية وحتى في باقي الدول، كما أنها ستعمل على تقليص مرونة أمور سياسية أخرى. كذلك من المحتمل ألّا تتوافق عملية التوفيق بين تلك الدولتين ومصالح بعض الدول الفاعلة على المسرح السياسي الدولي بسبب التأثير الشبه المتوازن للمجموعات الدولية الفاعلة على المسرح السياسي الدولي - المحلي - الإقليمي.
فيما يتعلق بالخطة المتعلقة بالمحافظة على سيادة الدول، نجد أنه على الرغم من التوازن المعقول الذي تتمتع به كل من الدولتين ببنود هذا الإتفاق بشأن عدم التعاطي بشؤون الغير، فإن المفاوضات التي أجريت بخصوص الحماية الممكنة لحقوق الدول وسيادتها قد تؤدي في نهاية المطاف إلى عدم إحترامها، فالإتفاق المقترح والمُسرّب إلى وسائل الإعلام والذي يُبنى عليه سيؤدي إلى خلق مخاطر طويلة الأمد قد تمتد إلى أكثر من ست سنوات في حال تم التوافق الهامشي دونما الأخذ بآراء بعض القادة فيما خص موضوع الإستحقاق الرئاسي هذا على المستوى اللبناني. وثمة أنشطة تتصف بالمخاطر والتي تفرط في التأكيد على إعتماد مبدأ السلم الهش وإستخدام أشكال تتناقض والمرونة الدبلوماسية في بعض الأحيان حين يسعى بعض الأطراف للتطبيق وهذا الأمر هو أشبه بوسيلة ضغط لا يمكن ردعها من خلال ما عُرِفَ ببند «عدم التعاطي بشؤون الغير».
على مستوى ما رشح من الإتفاق المُشار إليه إننا في لبنان نواجه جملة من التحديات الإستراتيجية البعيدة الأثر ومن أهمها: تصحيح الخلل في ميزان القوى بين اللبنانيين، وضمان الإلتزام السعودي - الإيراني حيال أي قرار محلي على المستوى اللبناني وتحديداً على مستوى التسوية السياسية التي ستطرح نفسها، تثبيت شرعية المخاوف اللبنانية من المد الإيراني والسلاح الوافد إلى لبنان، كما شرعية المخاوف اللبنانية الأمنية لناحية السلاح غير الشرعي وإنتشاره على جميع الأراضي اللبنانية، كما ضمان التوازن الداخلي في البيئة اللبنانية، والحفاظ على المصالح اللبنانية - الإقليمية - الدولية.
بغض النظر عن الوجهة المستقبلية لهذا الإتفاق وطريقة رعايته وتنفيذه ومدى تأثُّر لبنان بأحداثه التي قد تطرأ يمكن القول إنّ اللبنانيين الشرفاء كانوا ولا يزالون يواجهون جملة من التحديات الإستراتيجية الشديدة الأثر والضاغطة على طيف عريض من الخيارات والمواقف اللبنانية والتفاوضية... ووفق خبرتنا المتواضعة إنه من الصعب تحديد ملامح أفق أي حل بالنسبة إلى التحديات التي تنتظرهم فإنه يبقى من المهم بمكان محاولة تشخيص طبيعة هذا المأزق الإستراتيجي اللبناني وتحليل مكوناته من خلال تصحيح بعض الخلل في ميزان القوى بين اللبنانيين أنفسهم.
في الخلاصة إننا نعيش على إيقاع هذا الإتفاق الذي رعته الصين ويُثير العديد من التساؤلات للنظر في خلفياته السياسية على مستوى المنطقة وعلى مستوى لبنان خصوصاً أن المقصود منه ترتيب المشهد السياسي على مقاسات معينة... إستناداً لأحد الدبلوماسيين الذي سألناه عن هذا الإتفاق فكانت الإجابة المقتضبة «إتفاق غير بريء التناسل ولا فائدة منه ويبقى نظرياً لأنه لا يُساهم في وضوح المشهد السياسي».
على أمل ألّا يكون لبنان الطرف الأكثر تضرُراً من هذا الإتفاق من حيث القرار السياسي أو السيطرة على القرار اللبناني وإغراقه بتسوية لا يستطيع أحد من تحمّل تبعاتها من خلال منافذ سياسية - إقتصادية - مالية - أمنية تُسيطر عليها إحدى الدول المعنية بهذا الإتفاق والتي تُحْكِم سيطرتها بإمتياز على الجمهورية اللبنانية.