بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 تشرين الأول 2023 12:04ص إنقاذ «الصيغة».. كيف؟!

حجم الخط
المجتمعات البشرية ومنها المجتمع السياسي تحتاج بين فترة وأخرى الى عملية تجديد ذاتية تفرضها التطورات التي تكون قد حصلت، وإرادت هذه المجتمعات بأن تستمر عبر أجهزتها الذاتية وإلّا ذابت في محيطها وفقدت هويتها بشكل نهائي.
نعرف جميعا كيف ولد لبنان بشكله الحالي، ونعرف أن «الصيغة» التي حكمت هذا البلد كانت تقوم على أفكار تسووية مثل: العيش المشترك، ولا غالب ولا مغلوب الخ... وذلك لأن هذه «الصيغة» وبغض النظر عن أسبابها لم تكن مبنية على أسس متينة وقوية، ولا على إرادة مشتركة من صانعي «الصيغة» تمكّنها من مواجهة الأنواء والمشاكل التي عصفت في هذا البلد الصغير وما تزال بحيث أدّت الى اهتزاز صيغة العيش المشترك. لكن الغيارى من اللبنانيين كانوا يسارعون دائما الى لملمة الوضع لتفادي الأسوأ.
ولعل الحرب الأهلية الأخيرة التي انتهت بمؤتمر الطائف وبدستور الطائف رسمت أملا بأن هذا المؤتمر ربما يشكّل الحل النهائي إلّا أن النتائج لم تكن بمستوى الآمال بدليل أن الوضع في البلد ما يزال غير مستقر. بحيث راح اللبنانيون يفكرون بمشاريع مثل الكونفدرالية أو الدولة الإتحادية الخ... وأعتقد اللبنانيون أن هذه  الصيغ تؤدي الى وحدة الكيان وتمكين اركانه من مواجهة هذه الصعاب. لكن عددا من اللبنانيين ومعهم بعض الأحزاب لم تسلم بهذه المشاريع إذ اعتبرتها تنطوي على أحلام تقسيمية مع أن ظاهرها عكس ذلك.
بيد أن واقع الحال الذي لا مفر منه هو أن «الصيغة» في خطر مؤكد من هنا لا بد من موقف لدراسة الحلول التي يجمع عليها اللبنانيون وتكون تعبيرا حقيقيا عما يجول في بالهم وفي خاطرهم إذ لم يعد مسموحا أن تهتز «الصيغة» في كل مرة نواجه فيها قضية ما. 
لذلك صارت الحاجة ماسّة الى أن يتداعى حكماء هذا البلد ومفكروه لإجتراح حل ثابت ومتين وطويل المدى ومتطور والتكيف مع المستجدات والطوارئ. وبما أن لبنان دولة ديمقراطية برلمانية يشكل مجلس النواب فيه السلطة الإشتراعية التي تعتبر في الدول ذات النظام البرلماني بأنها سلطة التشريع الوحيدة.
قد لا يكون مجلس النواب الحالي قادرا على الدعوة الى اجتماع وطني شامل لإعادة النظر بالصيغة الحالية واقتراح «الصيغة» الأمثل والأجدى. من هنا يظهر أن الحل قد يكون في مجلس نيابي جديد تكون رسالته الأولى «الصيغة» ومستقبل لبنان وتكون هذه الرسالة البرنامج الإنتخابي لجميع النواب والكتل النيابية وتحل هذه الإنتخابات محل مؤسسة دستورية يفتقدها لبنان هي «الإستفتاء».
لو كان الوضع السياسي في لبنان حاليا وضعا طبيعيا لكان من السهل حل مجلس النواب تطبيقا للمادة «55» من الدستور التي تنيط لرئيس الجمهورية حق الطلب الى مجلس الوزراء حل مجلس النواب فإذا ما استجاب مجلس الوزراء تتم الدعوة الى إنتخابات جديدة.
ولكن وبما أنه لا يوجد رئيس جمهورية في الوقت الحاضر، وكذلك فإن الحكومة الموجودة هي حكومة تصريف أعمال وتقوم بالأعمال الضرورية والملحّة ليس أكثر. لذلك يكون تطبيق المادة «55» من الدستور مستحيلا. 
الحل إذن أن يعمد مجلس النواب الحالي الى اتخاذ موقف شجاع وتاريخي بأن يقرر حل نفسه بنفسه لإجراء انتخابات نيابية جديدة. ويكون هذا الموقف فيه القدر الكبير من الرؤيا ما يسمح بإعتبار المجلس النيابي المنتخب برمته مجلسا تأسيسيا يضع أسس «الصيغة» التي يحلم بها اللبنانيون وبناء هذه «الصيغة» على قواعد متينة وثابتة لا تهتز عند أول مواجهة مهما كان نوعها وتبقى محتفظة على وحدة هذا الوطن. 

* مدعي عام التمييز سابقاً