أعلن البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي في قداس الأحد في كنيسة السيدة في بكركي ان أهالي القرى الحدودية في الجنوب يرفضون أن يكونوا «رهائن ودروعا بشريّة وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة، ولثقافة الموت التي لم تجرّ على بلادنا سوى الإنتصارات الوهميّة والهزائم المخزية».
وقال: «كم يؤسفنا أن نرى شعبنا في لبنان في حالة الذلّ والفقر والتقهقر الإجتماعيّ اقتصاديًّا وماليًّا وترقيًّا! ولا عجب، فدولتنا المبتورة الرأس أصبحت بمقدّراتها الكبيرة فريسة الفاسدين المعتدين عليها والعاملين بكلّ وسعهم على عدم انتخاب رئيس للجمهوريّة ليخلو لهم الجوّ والوقت الطويل لقضم مالها ومؤسّساتها، وإشاعة حالة من الفوضى تسمح للنافذين تمرير ما هو غير شرعيّ، بواسطة فائض القوّة. يعرب لنا أهالي القرى الحدوديّة في الجنوب عن وجعهم لتخلّي الدولة عنهم وعن واجباتها ومسؤوليّاتها تجاههم. فهم بكبارهم وصغارهم يعيشون وطأة الحرب المفروضة عليهم والمرفوضة منهم إذ يعتبرون ان لا شأن للبنان واللبنانيّين بها. ويكتبون إلينا: «نعيش ضغوط الحرب النفسيّة وتسحق أعصابنا أهوال الغارات اليوميّة وأصوات القذائف المدويّة. وأطفالنا محرومون من وسائل الترفيه ولا يتلقون تعليما مدرسياً منتظماً إلّا عن بُعْد بسبب الإقفال القسري لمدارسنا الذي فرضته الحرب الحالّية». ويتابعون: «بإمكانكم أن تتصّوروا مدى الفشل والفوضى والإخفاق والقلق الذي يترتّب على هذا الواقع المرير، وتداعياته على المستقبل التعليميّ والنفسيّ لأولادنا»... ويضيفون: اسمحوا لي أقولها بالفم الملآن - ليس تخليًّا عن القضايا الوطنيّة ولا العربية، بل انطلقًا من صدقي مع ذاتي - أرفض أن أكون وأفراد أسرتي رهائن ودروعا بشريّة وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة، ولثقافة الموت التي لم تجرّ على بلادنا سوى الإنتصارات الوهميّة والهزائم المخزية. إنّنا نسمعهم وقلبنا ينزف دماً. ونعمل كلّ ما بوسعنا لمساعدتهم بشتى الوسائل بالتعاون مع ذوي الإرادات الحسنة».
أضاف «لسنا نفهم لماذا تبقى الدوائر العقارية في جبل لبنان مقفلة، بحجة توقيف بعض موظفيها وتتعطّل أعمال المواطنين ولا تدخل الأموال الصافية للخزينة في دولة مفلّسة! إنّنا نطالب وزارة المال بمعالجة التقصير الفادح في تسيير أمور الدوائر العقارية المعطّلة في جبل لبنان وحده منذ ما ينيف على السنة حتى الآن بما يحرم الخزينة من عائدات طائلة وينذر بتمدّد وضعيات غير قانونية في ظلّ الشغور الرئاسيّ وعدم الانتظام العام. لماذا أيّها المسؤولون في الدولة تهدمون مؤسسات الدولة عمداً؟ ولصالح من؟ ولأي هدف أو مشروع؟ أمّا قضيّة العمّال فتبقى من صلب رسالة الكنيسة. وقد عالجها بشكل رسميّ كامل السعيد الذكر البابا لاوون الثالث عشر في رسالته العامّة الشهيرة «الشؤون الجديدة» (Rerum Novarum) التي أصدرها في 15 أيّار 1891. فكانت الوثيقة الأساس في تعليم الكنيسة الإجتماعيّ بحيث أصدر بعد أربعين سنة البابا بيوس الحادي عشر رسالته العامّة في 15 أيّار 1931، ثمّ البابا بولس السادس الذي اطلق رسالته بعد مرور ثمانين سنة أي في 15 أيّار سنة 1971، وأخيراً القدّيس البابا يوحنّا بولس الثاني بعد مرور 90 عاماً أي سنة 1981 بعنوان «ممارسة العمل». على أساس هذا الخط تُعنى البطريركيّة مباشرة بدعم ما يؤول لخير العمّال في القطاعين العام والخاصّ. فتبارك ما يقوم به الاتحاد العمّالي العام بالشكل العادل والمنصف، في ما يختصّ بالتعويضات ورفع الحدّ الأدنى للأجور، وفقاً لحالات العاملين. ونعرب عن تقديرنا لما حقّق هذا الاتحاد من إنجازات لصالح العمّال».