عبدالرحمن قنديل
«سرقة العصر» هذه نظرة خارجية وأوروبية بالتحديد لما فعلته السلطة الحاكمة إقتصادياً بأموال المودعين العالقة في المصارف حتى يومنا هذا،وسط لعب دور «التجاهل» لهذه الكارثة على قاعدة النسيان وكأن شيئاً لم يكن قائماً من قبلهم،ناهيك عن الأزمات الحاصلة واحتماليات الحرب الشاملة،كل هذه العوامل تجعل السلطة متؤكدة من أن المودعين قد نسوا،ولكن حقيقة الأمر أن المودعين لم ينسوا «جنى عمرهم» المحتجز في المصارف منذ سنوات حتى هذه اللحظة على الأقل،ومع تفاقم النزاع بين المودعين والقطاع المصرفي في لبنان، وفي ظل عدم إنصاف المودعين أمام المحاكم اللبنانية، اتجه الكثير منهم إلى إقامة دعاوى قضائية خارج البلد وإلى المحكمة الجنائية الدولية على وجه الخصوص، لاسيما منهم مَن يملكون حسابات لدى المصارف اللبنانية في الخارج. وفي حين نجحت بعض الدعاوى وصدرت فيها أحكام لصالح مودعين، تستمر العديد من المحاكم الأجنبية بالنظر في قضايا أخرى، ومنها بحق مصرفيين وحاكم مصرف لبنان السابق وعموم المصارف.
الدعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية يتم التحضير لها من قبل مجموعة من المتضررين اللبنانيين من جريمة المصارف، يشكّلون «مجلس حقوقنا»، وبينهم شخصيات رسمية كوزير الدولة لشؤون المهجرين عصام شرف الدين، النائب الياس جراده، القاضي شكري صادر والمحامية بشرى الخليل، وسواهم من المعنيين بمتابعة قضية المصارف. وتُعد هذه الدعوى الأولى من نوعها خارج لبنان.
وفي هذا السياق أكد النائب الياس جرداه أن أموال المودعين هي مسألة وطنية،ووجودية بامتياز تتخطى الحق الفردي،أو في معنى آخر إذا لم يصبح هناك حل عادل لهذه المعضلة،سيكون لبنان أمام إنهيار لا قيامة له بعده لأنه في هذه الحال فالثقة في نظام لبنان الإقتصادي والمصرفي ككل ستكون مفقودة،لذلك الأفراد لم تقوم بالتخلي عن حقوقهم لأنه حق وجودي.
ولفت جراده لـ«اللواء» إلى أن هذه الأمور لم يكن لبنان المتضرر منها فحسب،لأنها حدثت أيضاً في بلدان أخرى كأميركا على سبيل المثال عندما شهدت بعض البنوك إنهياراً إقتصادياً أعلن حينها الرئيس الأميركي جو بايدن عن عدم مسؤولية الإدارة الأميركية عن هذا الإنهيار والمصرف والمودعين هم من يتحملون المسؤولية وكانت النتيجة إنهيار «البورصة» في نيويورك،مما دفع الحكومة أن تعلن تحملها المسؤولية لكي تعيد الثقة.
وشدد على أن عناوين الثقة كثيرة بدأً من المكاشفة التي تأتي قبل المحاسبة لكي يتم معرفة كيف كانت الأمور تسير في السابق وكيف وصل اللبنانيون إلى هذه النتيجة ومعرفة من المسؤول ومن ثم المحاسبة،لكي لا يكون هناك مجال للسرقة مرة أخرى،والأمر الثاني هو إعادة هيكلة المصارف بشكل شفاف لكي تعود المصارف وتوحي بالثقة لللبنانيين في الداخل والخارج،ولا شك أن الكتلة النقدية الموجودة في لبنان هي كبيرة لذلك إعادة هيكلة المصارف ضرورية لكي تعود المصارف وتوحي بالثقة،ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يكون مع الأشخاص الذين تسببوا في هذه الكارثة على الإطلاق.
وأردف قائلاً:«أن هذه العناوين الأساسية نراها من خلال طرح ما يسمى بـ«صندوق ضمان الودائع»،أو «الصندوق السيادي» وهو صندوق للدولة فقط، لذلك عندما يتم إيجاد كتلة نقدية موازية للودائع يصبح هناك ثقة بالنظام المصرفي والناس تبتعد عن «الهلع» حينها من خلال الإطمئنان على أموالها الموجودة داخل هذا النظام ولكي نمشي في هذه الأمور لا بد من أن يكون هناك عمل تشريعي يأخذ مجراه.»
واعتبر أن الأهم من كل هذا هو العمل القضائي لأن القضاء في لبنان هو مخطوف من خلال الشلل الحاصل في عمله،وهذه حقيقة مُرَّة للأسف،وهذا الأمر ثبت عندما قامت القاضية غادة عون بفتح ملفات حسّاسة تتعلق بهذه المواضيع وتقوم السلطة القائمة بمحاولة توقيف عملها لأنها وصلت إلى ملفات هامة للغاية ناهيك عن ما شهدناه في موضوع رياض سلامة والإستدعائات التي حصلت ونتيجتها،لذلك لكي يكون هناك ضغوطات رادعة للذي يحصل فلا مفر من التوجه للخارج لأن هذا الأمر أصبح أكثر من ضرورة.
وختم الجراده قائلاً:«للأسف لم يتركوا لنا مجالاً إلا اللجوء إلى القضاء الدولي إن كان من خلال المحكمة الجنائية أو محكمة العدل الدولية،أو من خلال تهيئة قضايا «ضد الإنسانية» ناهيك عن قضايا أخرى ستقدم كمخرج وحيد للضغط على السلطة الحاكمة،وهذا لا يوقف الملاحقات التي تحصل في الداخل التي تعتبر الأهم ونحن ماضون بها حتى النهاية.»
أما الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر فرأى أنه قضائياً الجرم ضد الإنسانية ليس بالضرورة أن يكون متعلقاً في مقتل «جماعات»،ممكن أن يتم تجريدهم من أبسط حقوق الإنسان وبالتالي أصبح هناك إلحاحٌ من قبل أعضاء اللجنة بالقيام بهذه الخطوة كـ«محاولة» ممكن نجاحها وممكن العكس تماماً.
ولفت صادر لـ«اللواء» إلى أنه على الرغم من أن هذه الإحتمالات ليست أكيدة،إنما من المحتمل أن تعتبر المحكمة الجنائية الدولية أن حرمان مليوني لبناني من أموالهم عن طريق «السرقة والإحتيال» من قبل هذه المافيات الحاكمة، ففي طبيعة الحال الأموال لا تتبخر إنما تنتقل من يد إلى أخرى فكيف إذا كان الأمر يتعلق بإختفاء 150 مليار دولار؟
وأردف قائلاً:«أنه ممكن أن يكون التبرير في هذه الحالة يتعلق بتكلفة سياسة الدعم التي كلفت الدولة 15 مليار،أو أن يكون السبب متعلقاً بسياسات أخرى إتبعت وهذه هي تكاليفها التي نتحملها،أو أن ما وصلنا إليه هو بسبب العجز الحاصل في الكهرباء،ولكن من المستحيل تبرير إختفاء 150 مليار دولار، فهذا بعيدٌ عن المنطق.»
وأكد أن الـ150 مليار دولار الذي من المفترض أن لا يتبخروا هم موجودون بين أيدي «قراصنة»،في وسائل أقل ما يقال أنها إحتيالية «مافياوية» وجرى على هذا الأساس «تنفيعات» لبعض الأشخاص ولكن هذه «التنفيعات» أتت على حساب الشعب اللبناني،لذلك وعلى الرغم من أن هذه المحاولة نجاحها غير مؤكد بعد لكنها تبيِّن أمراً أساسياً وهو أنه لن نترك الذي قاموا بعملية سرقة المودعين «يتهنوا بمصرياتن» وسنلاحقهم حتى النهاية بالوسائل المتاحة لدينا لكي لا تعتقد السلطة القائمة على أن الأمور قد طويت وكل شيء انتهى،وهذا لا يمنع أن يستمر التحرك حتى داخل لبنان لأن من قام بعملية «ابتلاع» هذه المبالغ هم لبنانيون وفي سدة المسؤولية سواء كانوا مصرفيين أم سياسيين.
وشدد على أنه لا شك إذا تم الإتفاق على رئيس للجمهورية إصلاحيّاً،ويكون «نظيف الكف» فالأمور تدريجياً ستتجه نحو التحسن وهذا الأمر يكون بالدرجة الأولى من خلال تحريك عجلة القضاء بسبب الشلل التام الحاصل فيه، على الرغم من الجهود التي يبذلها القاضي حجار في هذه القضايا مما أدى إلى عدم وجود إمتيازات أو حصانات في القضاء حتى لو كان هناك سياسيون يقومون بتغطية بعض المصرفيين، ولكن لم يعد هناك حصانات للمصارف من قبل السياسيين كما كان حاصلاً في الماضي، وهذا مؤشر على أننا نرى تغييراً داخل النيابة العامة التمييزية يرمي إلى الملاحقة الجدية في هذه القضايا.
وختم صادر قائلاً:«ما له فعالية هو أخذ الأحكام داخل لبنان،لكي يتم الحجز على موجوداتهم في الخارج سواء لرؤساء مجلس الإدارة أم لأعضاء مجلس الإدارة أو لكل من سوَّلته نفسه القيام بمد يده على الأموال العامة وعلى خزينة الدولة ،وبالتالي على أموال المودعين أيضاً،لذلك الرسالة من هذه المحاولة إننا في المرصاد بوجه المرتكبين لإسترداد الحقوق وفي هذه الطريقة يدرك المودع أن هناك أشخاصاً يعملون على إسترداد أموالهم عبر هذا الخيار المتبع ولكي يطمئن أن أمواله سترد أيضاً على الرغم من المحاولات البائسة التي يقوم بها بعض المصارف من عدم إعطاء المودعين الكشوفات اللازمة بالأموال التي يسحبها من المصرف خوفاً من رفعه دعوى ضدهم أمام محكمة الجنايات الدولية لأنه في نهاية المطاف باستطاعة المودعين أن يقوموا بابلاغ القضاة في المحكمة الدولية عن امتناع المصارف عن تسليم المودع «كشف الحساب» والمحكمة تقوم بما يلزم بعدها بتكليف هذا المصرف وإجباره على أن يسلم المودع هذه الكشوفات».