بيروت - لبنان

اخر الأخبار

15 تموز 2023 12:23ص العلامة النابلسي... سرّ عشق فلسطين

أوّل من أصدر فتوى عبر «اللـواء» بدخول «حزب الله» الحكومة

حجم الخط
يرتبطُ اسم العلامة الشيخ عفيف النابلسي بجبل عامل ارتباطاً وثيقاً، بكل ما للكلمة من مدلولات ومآثر.
وعى الشيخ عفيف في منزل والده الحاج محمّد «أبو حسن»، فلسطين قبل النكبة، واستمرت معها مُلازمة في مُختلف مراحل حياته، فبقيت معشوقته التي ناضل لأجلها كيفما استطاع، رجل دين، ومرجع روحي، فجنَّد عَلاقاته في خدمة القضية بالعمل على التواصل مع أبنائها، وتوطيد العلاقات بين قواها، وتذليل العقبات في بعض الملمات، وصولاً إلى إصدار فتوى بجواز دفع الزكاة والخمس دعماً للقضية الفلسطينية.
علاقة الشيخ عفيف بفلسطين، لم تكن طارئة أو ظرفية ومرحلية، بل لها جذور، عشتُ تجربتها، بعدما سمعت عنها، فتلمَّستُ ذلك بشكل واقعي مع العلامة العلم.
حكايةٌ لم تكن تقتصر على سنوات قليلة، بل تمتد إلى جذور العائلة، وتعود إلى أكثر من قرنٍ من الزمن.
مع الحرب العالمية الأولى، والمجاعة في لبنان عام 1915، وصلت إلى بلدة أجدادي لوبية - قضاء طبريا في الجليل الفلسطيني، امرأة مع طفلها، فعادت أمانة الوالدة إلى بارئها، وبقي الطفل ابن السنوات الـ5 يتيماً، ولم يكن يحفظ إلا اسمه، محمّد النابلسي، ومن بلدة البيسارية، دون أن يعرف أين تقع!
عهد جدي دمعون، بالطفل اليتيم وربّاه لسنواتٍ إلى أن أصبح شاباً وقوي عوده.
عاد الشاب محمّد في أواسط ثلاثينيات القرن الماضي، إلى بلدته البيسارية، وبدأ حياته ورُزق بولدين: حسن وعفيف، الذي أبصر النور في العام 1941.
بعد نكبة فلسطين، كان الحاج «أبو حسن» وولديه حسن وعفيف يزورون أبناء العمومة الذين لجأوا إلى مُخيم عين الحلوة.
منذ نعومة أظفاره درس الفتى عفيف في القرية، وبدأ يحفظ القرآن الكريم.
مع وصول الإمام السيد موسى الصدر إلى لبنان، في بداية ستينيات القرن الماضي، بدأ تأثر الشيخ عفيف به بشكل كبير، فالتحق بـ«معهد الدراسات الإسلامية»، الذي كان قد أسَّسه الإمام الصدر في صور.
شجعه الإمام الصدر على التوجه إلى النجف في العراق، لمُتابعة الأبحاث العالية، حيث وصل إلى المرجع السيّد محمّد باقر الصدر، في أواخر ستينيات القرن الماضي.
اهتم المرجع الصدر بالوافد الجديد، فنهل ما استطاع من علم، إلى أن تمّ سجنه في العراق وأُبعد إلى لبنان، في سبعينيات القرن الماضي.
بعد عودته نشط في لبنان.
قام بتأسيس «هيئة عُلماء جبل عامل» التي ترأسها، وكان لها دور في تشجيع العلماء واحتضانهم وتوجيههم ودعمهم.
استحوذت الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني، على اهتمام العلامة النابلسي، الذي كان في طليعة الداعمين والمُبشرين بأفكارها.
أقام في منطقة حارة صيدا قبل الاجتياح الإسرائيلي، وانتقل إلى بيروت بعده.
ركَّز على دعم المُقاومة في مُواجهة الاحتلال، وقاد إلى جانب الشيخ راغب حرب الانتفاضات والاعتصامات الشعبية.
كان في طليعة المُشاركين بتأسيس «حزب الله» وله تأثير فاعل داخله.
بعد تحرير صيدا في شباط 1985، عاد إلى منطقة الغازية حتى العام 1989.
مُنذ العام 1993 اتخذ من مدينة صيدا مُنطلقاً لنشاطه بإقامة «مُجمع السيدة فاطمة الزهراء» (ع).
خلال العدوان الإسرائيلي، الذي انطلق ضد لبنان في 12 تموز 2006، نفذت قوات الاحتلال اعتداءاتها جواً وبحراً وبراً.
بعد أيام من انطلاق العدوان، وصل العلامة النابلسي إلى دارتي في حارة صيدا، فتأمنت له الإقامة الآمنة لأيامٍ عدة، في رحلة تنقله من مكان إلى آخر، خشية تعرُّض «مُجمع الزهراء» في صيدا للعدوان، وهو ما تمّ في 23 تموز 2006، بشن طائرات العدو 3 غارات، أدت إلى تدمير المُجمع بشكل كامل وتسويته بالأرض، والقضاء على مكتبة العلامة النابلسي التي تضم أكثر من 20 ألف كتاب.
وكان العلامة النابلسي قد نجا من مُحاولات اغتيال عدة.
أصدر العلامة النابلسي فتاوى عدّة، وكان أوّل رجل دين يُصدر فتوى يحث فيها «حزب الله» على الدخول في الحكومة «بعدما ثبت لدينا بالوجه الشرعي أن ذلك ليس فيه أي خروج عن العُروة الوثقى».
جاء تفجير «القنبلة الفتاوئية» في حوارٍ نشرته لسماحته يوم الأربعاء في 22 حزيران 2005 في جريدة «اللـواء» الصفحة الـ14.
كان ذلك أول موقف مُتقدِّم، وفتوى جريئة، بعد تداعيات زلزال جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، في 14 شباط 2005.
أولى التأليف كل اهتمام بإصداره عشرات المُجلدات والكتب، فضلاً عن الأبحاث التي تنوَّعت بين الدينية والشعر الذي أبدع فيه.
عانى العلامة النابلسي من مشاكل صحية، تحمَّل آلامها بصبرٍ.
في مجالسه يأسر المُشاركين بحديثه المُتناسق، المُدعم بالأدلة والبراهين، ما يجعله مُقنعاً ومُؤثراً بمن يسمعه.
صاحب وجه بشوش، لا تُفارق الابتسامة ثغره، ما يزيد على الجلسات من أجواء الاطمئنان والسكينة.
صفاتٌ مُتعددة زاد عليها مما اكتسبه في مسيرة حياته، ما وسّع دائرة علاقاته في أصقاع المعمورة.
يرحل تاركاً إرثاً وذرية صالحة، ليُوارى الثرى في المكان الذي أحب وأشاد فيه صرحاً دينياً وثقافياً.