بيروت - لبنان

اخر الأخبار

8 كانون الثاني 2022 12:02ص الذم والقدح والتحقير في قانون العقوبات اللبناني

حجم الخط
فُرجت (بضم الفاء) يقولها الحرامي في سرّه عندما يطرح عليه اليمين الحاسمة، بأن يقسم بالله العظيم. وهكذا حالنا في هذا البلد الحزين، فاللصوص آكلو لحوم إخوانهم الأحياء وناهبو أموالهم، لا يقسمون بالله العظيم فقط، بل تراهم وبكل وقاحة يُحاضرون بالعفة، وكأن عيونهم من زجاج وانعدم فيهم الإحساس، ووجوههم مسفرة ضاحكة مستبشرة، فيطلقون وبوتيرة واحدة الأحكام المبرمة، بتبرئة أنفسهم مما ارتكبته أيديهم بحق هذا الشعب من اختلاسات، ومما زرعوه من عتوّ وطغيان وفساد. ومن دون أن يرف لهم جفن أو أدنى حركة في الأهداب، غير عابئين بهذا الشعب المعذب الذي بات يئن تحت وطأة الفواجع، وذل السؤال، لا حراك بهم، وهم ينظرون إلى الميادين والساحات وقد امتلأت وغصت بالطوابير تتلوها الطوابير، أمام الأفران ومحطات البنزين والصيدليات.

فكيف إلى خروج من هذه المآسي والانهيارات من سبيل، وكيف الخلاص من وباء هؤلاء الطغاة المفسدين الذين إذا اتفقوا تفوح منهم رائحة المحاصصة وتوزيع المغانم، وتظهر وعلى عينك يا تاجر معالم الصفقات والتسويات، وهم إذا اختلفوا، تقع على رؤوس الناس دواهي التعطيل والمكيد والمناكفات، فتحل في دُورهم الكوارث، ومن شدة وغلواء ذهولهم، تتربص بهم الأمراض والأوبئة من دون طبيب ولا دواء.

لقد باتت كل الآمال من هول ما نشهد محطمة، وليس من نهاية في الأفق مرجوة، فالنفق مظلم، والمسافة تتجاوز الأرقام الفلكية، والبطون خاوية، والأحذية مهترئة، وبرج بابل يفعل فعله باختلاط الحابل بالنابل، والناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن العذاب شديد يُحبط ذوي النهي، واليأس يُطيح بالعقول، والمأساة تفتك بذوي الألباب.

نعم، كل أبواب الرجاء في الداخل اللبناني مغلقة، وليس من فرجة أو بصيص نور يبزغ في هذا الليل الطويل، أما مع الخارج، وما أدراك ما الخارج، وكلنا وفي طليعتنا اللصوص والفاسدون ينتظر منه الدعم والمساندة، كما هي العادة في الأزمات والملمَّات، فقد أشاح بوجهه عنا، وكيف لا وقد تناوبنا على توجيه السهام والشتائم إلى رموزه ومسؤوليه. فمن المربعات الأمنية البغيضة والمواكب والزمامير، ابتكرنا مربعات لأبواق الذم والقدح والهجاء، وكل مربع فاتح سوق عكاظ للهجاء على حسابه، هذا يدعو إلى الثبور وعظائم الأمور ضد هذه الدولة، وذاك يزبد ويرغي بسقط الكلام على أخرى، وذياك يرقص طرباً وهو يتوعد ويهدد القريب والبعيد، وهو خالي الوفاض لا يملك القطمير ولا شرو نقير.

وما هو بظنّ هذا وذاك وذياك هو خافٍ ومستور، فإنه مكشوف، الابتزاز لحمته وسواه، يتحقق بسلاطة اللسان وتتبع العورات وكشف السوءات، وفي هذا السياق، تحضرني الذاكرة أنه في الستينيات من القرن الماضي، ضاقت إحدى دول الخليج العربي ذرعاً من سباب وتخرصات صحافي كبير، رئيس تحرير إحدى المطبوعات السياسية المشهورة وذائعة الصيت، ومن شدة حملته الضاربة عليها، دعاه وزير إعلامها لاستضافته، فجرى بينهما حوار طويل، وعتاب من الوزير على حملات الصحافي على دولته، وباختصار شديد، كان الصحافي موضع ترحيب وتكريم، وأجزل له الوزير ما يجدي وينعش ويُفيد، فتوقفت الحملات على البلد الشقيق، وبعد فترة اتصل الوزير برئيس التحرير ليشكره على حسن صنيعه، ولكنه استطرد مضيفاً، ولكننا لم نلاحظ في مقالاته أية إيجابيات، فقال له الصحافي: يا معالي الوزير، اتفقنا على وقف الحملات، وهذا الطلب جديد ويحتاج إلى لقاء جديد.

وأمام هذا الواقع، الذي ننسف من جرّائه كل الجسور مع الأشقاء والأصدقاء، خصوصاً في هذه الظروف القاتلة التي تضغط بكلكلها على كل حياة الناس ومفاصلها، أوليس من الواجب، أن نتساءل: هل افتقدنا روح الرويّة والتبصّر والحكمة؟

إن أسباب هذه الظاهرة المرضية، التي نستعدي بها القريب ونسيء إلى البعيد، وأن ارتفاع وتيرتها، ما كان له ان يحصل ويستمر، لو كان في هذا البلد رقيب أو حسيب. غياب مطبق، والجواب عنه متواضع وبسيط، يكمن في استرخاء وإهمال المراجع القضائية المختصة في تطبيق المواد 291 و292 و293 من قانون العقوبات، ولو أنها كانت مرعية الإجراء منذ البداية، وهي سارية المفاعيل منذ صدور قانون العقوبات في عام 1943، لما تفاقم القدح والذم، ولما ازداد التحقير.

ومختصر هذه المواد، أنها تعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين على جرائم تحقير دولة أجنبية أو جيشها أو علمها أو شعارها الوطني أو رئيس أو وزرائها أو ممثلها السياسي، وتُشدد هذه العقوبة استناداً إلى المادة 257 عقوبات.

وفي الختام نسأل: هل أصبح لبنان في عداد الدول المارقة والفاشلة؟ فهل من مجيب!



* المدير العام للأوقاف الإسلامية ورئيس هيئة أوجيرو سابقاً