بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 أيلول 2017 12:20ص إستحضار وصية الجد عبد العزيز في إحتفالية الحفيد محمد

حجم الخط
من الطبيعي أن يغبط العرب والمسلمون إخوانهم السعوديين وهم يتابعون على مدى ثلاثة أيام مبهجة فرحتهم  «اليوم الوطني» في ذكراه السابعة والثمانين. ونقول ذلك على أساس أن معظم دول الأمتيْن فاقدة منذ سنتيْن طويلة فرحة حلول الأعياد الوطنية لكثرة الإنشغال بالصراعات والإحترابات. ولذا فإن أبناء العربية الإسلامية عموماً ومن الجنسيْن عندما تابعوا فعاليات الإحتفال بـ «اليوم الوطني» للمملكة والتي شملت معظم المدن السعودية شعروا كم أن عيد الوطن مناسبة تستوجب التعامل معها بالفرح لأن الوطن هو رمز الطمأنينة ولأنه كما الشجرة المثمرة التي يتفيأ الإنسان في ظلها ويأكل من ثمارها ومن واجبه إزاء ذلك السهر على ديمومتها.
واللافت في إحتفالات السعوديين بعيدهم الوطني أنها جاءت هذه المرة غير تقليدية وذلك لأن الذي وجَّه في شأنها ونعني بذلك وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان هو رمز للقيادات الواعدة وهو غير تقليدي في رؤاه وما يطرحه من أفكار، ومنها أن لا يقتصر إحياء الذكرى على صفحات تهنئة بالعيد تنشرها الشركات في الصحف وعلى برامج المرئي والمسموع، وإنما أن تكون الذكرى مناسبة فرح يغمر النفوس ويتم التعبير عنها على الملأ، وليس فقط في البيوت والدواوين. كما لا يكون التعبير عن الفرح خجولاً وإنما تجمعات في الشوارع والملاعب وفي رفْع أعلام المملكة وتزيين المباني وفي إطلاق الألعاب النارية وتحليق الطائرات في سماء العاصمة تؤدي وبالألوان مشاهد تبهر النظر وتُفرح القلوب. كما تكون مناسبة لأصحاب الأصوات الجميلة من الفنانين يؤدون الأغاني التي تجمع بين حب الوطن ورونق العواطف.
لم نشهد مثل هذه الأجواء المفرحة من قبل، ربما تهيُّباً وإحتراماً للتقاليد ومنها أنه من غير المستحسَن تسمية المناسبة  «العيد الوطني» وإنما «اليوم الوطني»، وذلك لأن العيد هو فقط «الفطر» و «الأضحى».
ثم يخرج وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان بالصيغة التي جرت فيها الإحتفالية، أي أن الفعاليات هي فعاليات عيد مع الحفاظ على التسمية المألوفة «اليوم الوطني». وهو خروج إستقبله السعوديون والسعوديات بفرح ملحوظ. وجاءت مشاركة المرأة السعودية وللمرة الأولى إلى جانب الرجل بفرحة اليوم الوطني تجعلنا نستحضر تلك المبادرة الطيِّبة التي أهداها الملك عبدالله بن عبد العزيز رحمة الله عليه إلى المجتمع السعودي والمتمثلة بتعيينه ثلاثين سعودية عضوات في مجلس الشورى.
وحيث أنها المرة الأُولى التي تصادف ذكرى «اليوم الوطني»، وقد بات الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، فإنه من أجل ذلك رأى أن تكون الإحتفالية غير تقليدية وهي جاءت بالفعل كما شاء لها. بل من الجائز الإفتراض أن الأمير محمد رسم معالم هذه الإحتفالية منذ الأيام الأُولى لإختياره ولياً للعهد وبحيث تنسجم طبيعة الإحتفالية مع رؤية 2030.
وإلى ذلك فإن حلول ذكرى «اليوم الوطني»، للمرة الأُولى بالنسبة إليه وقد بات رمز مرحلة جيل الأحفاد إستكمالاً لجيل أبناء الملك المؤسس الجد عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، فإن إقتصار كلمة المناسبة عليه كما أُذيعت يوم الجمعة 22 أيلول/ سبتمبر 2017 تستوجب من كاتب متابع للأحوال السعودية مثل حالي التأمل فيها وبالذات قوله: 
«إننا في هذه الذكرى العزيزة لتوحيد بلادنا الغالية نستشعر ما وصلت إليه من مكانة ودور فاعل ومؤثر إقليمياً ودولياً، مع إلتزامها بالعمل على تحقيق الأمن والسلم الدولييْن، وسعيها لكل ما فيه الخير للبشرية جمعاء، وها نحن نرى بلادنا - ولله الحمد والمنة - عضواً فاعلاً في مجموعة الـ20 الإقتصادية التي تضم أقوى إقتصادات العالم. ونطمح أن تكون المملكة نموذجاً رائداً على الأصعدة كافة، معوِّلين على دور الشباب من المواطنين والمواطنات في ذلك، والسعي الدؤوب لتحقيق رؤية المملكة 2030، التي تُمثِّل بدء مرحلة جديدة من التطوير والعمل الجاد لإستشراف المستقبل، والسعي لكل ما فيه مصلحة البلاد، ومواصلة السير ضِمْن الدول المتقدمة، مع التمسك بثوابت ديننا الحنيف وقيَمنا السامية».
كأنما وليّ العهد الأمير محمد في كلامه هذا يستحضر روحية وصية جده الملك عبد العزيز التي رغم أنها كانت ﻟ عمه سعود أول الملوك الأبناء، إلاّ أنها على نحو ما يفعله آخر الأبناء الملوك سلمان بن عبد العزيز أطال الله عمره، وفَعَله أخوانه الملوك الراحلون مِن قبل (سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله)، كانت بمثابة وصية لمَن يتولى قيادة المملكة مِن بعده.
والوصية التي نشير إليها هي بالنص الآتي:
«تفهّم أننا نحن والناس جميعاً، ما نُعزُّ أحداً ولا نُذلُّ أحداً، وإنما المعِز والمذِل هو الله سبحانه وتعالى، مَن التجأ إليه نجا، ومَن إغتر بغيره (عياذ الله) وقع وهلك. موقفك اليوم غير موقفك بالأمس، ينبغي أن تعقد نيتك على ثلاثة أمور: أولاً - نية صالحة وعزْم على أن تكون حياتك وأن يكون ديْدنك إعلاء كلمة التوحيد ونصْر دين الله. وينبغي أن تتخذ لنفسك أوقاتاً خاصة لعبادة الله والتضرع بين يديه في أوقات فراغك. فعُد إلى الله في الرخاء تجده في الشدة. وعليك بالحرص على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يكون ذلك كله على برهان وبصيرة في الأمر وصِدْق في العزيمة ولا يصح مع الله سبحانه وتعالى إلاّ الصدق وإلاّ العمل الخفي الذي بين المرء وربه. ثانياً - عليك أن تجدَّ وتجتهد في النظر في شؤون الذين سيوليك الله أمرهم بالنُصح سراً وعلانية والعدل في المحِب والمُبغِض وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل، والقيام بخدمتها باطناً وظاهراً. وينبغي ألاَّ تأخذك في الله لومة لائم. ثالثاً - عليك أن تنظر في أمر المسلمين عامة وفي أمر أسرتك خاصة. إجعل كبيرهم والداً ومتوسِّطهم أخاً وصغيرهم ولداً، وهِنْ نفسك لرضاهم وإمحُ زلهم وأقِل عثرتهم وأنْصح لهم وإقضِ لوازمهم بقدْر إمكانك. فإذا فهمتَ وصيتي هذه ولازمتَ الصدق والإخلاص في العمل فأبشر بالخير. هذه مقدمة نصيحتي إليك والباقي يصلك إن شاء الله في غير هذا...».
وتبقى لمناسبة اليوم الوطني الإشارة إلى اللفتة الطيِّبة التي تميزت بها إحتفالية السفارة السعودية لدى لبنان. فعلى مدى بضعة أشهر منذ تكليفه مهمة القيام بأعمال السفير ساوى الوزير المفوض وليد بخاري بين الإهتمام السياسي والإهتمام الثقافي والإجتماعي ذي الطابع الإنقاذي. وبدا في ذلك يمارس دبوماسية تختلف عما هو مألوف سواء لجهة تكريمه الكاتب المؤرِّخ أمين الريحاني أو إستحضاره أجواء الإمام موسى الصدر على سبيل المثال لا الحصر. أما أن تكون عائلات الجنود اللبنانيين الشهداء من ضيوف إحتفالية السفارة مساء يوم الأحد الماضي والإشادة بالإنجاز الذي حققه الجيش اللبناني ضد الإرهاب، فإنها لفتة طيِّبة جاءت في سياق حقبة نوعية تعيشها المملكة العربية السعودية التي نتمنى في الذكرى الثامنة والثمانين ليومها الوطني، أن تكون بدأت الإنشغال بتكريم الأوطان التي تبعثرت والشعوب التي تبهدلت والجماعات التي هُجِّرت. والله خير حافظ وخير معين.
فؤاد مطر