بيروت - لبنان

اخر الأخبار

3 حزيران 2022 07:08ص التنبؤ الاقتصادي ضروري

حجم الخط
هنالك دول تنجح سياسياً واقتصادياً وأخرى تفشل لأسباب لا تظهر علناً. المبررات تكون غائبة أو غير ظاهرة لكنها لا بد وأن تكون موجودة.  معرفة أسباب النجاح كما ظروف الفشل أساسية لتجنب الخسائر وتقوية الفوائد أو تعزيز حصولها. من أهم ما يحاول الاقتصاديون فعله هو تنبؤ الأوضاع المستقبلية للاقتصادات المختلفة. غالباً ما نخطئ ليس فقط بسبب صعوبة العمل وإنما خاصة لمحاولتنا الاتكال على الماضي لتنبؤ المستقبل. بالرغم من الأخطاء الواضحة والمثبتة، علم التنبؤ يبقى مطلوباً من جميع القيادات السياسية والاقتصادية لعله يضيف بعض الضوء الى المستقبل المجهول. اذا كان من غير الممكن توقع المستقبل بدقة، هنالك مؤشرات يمكن الاتكال عليها لتوقع تحسن أو سقوط الأوضاع مستقبلا. التنبؤ القريب يبقى أصعب من البعيد المدى حيث تتغير الأمور لتلغي بعضها البعض نتيجة التطورات في الأسواق.
من الضروري أن نكون مقتنعين بأن للاقتصادات مسيرات مختلفة ومتقلبة أي هنالك عوامل مؤثرة مشتركة كما أخرى فريدة وقوية لها طابعها الاقليمي أو القطاعي.  لذا يجب أن يعتمد التبؤ على كل هذه العوامل لتخفيف الأخطاء. تمر كل الاقتصادات في فترات ازدهار وهبوط ربما دورية تترك أثاراً واضحة على النتائج.  هنالك أمثلة عدة لدول كانت ناجحة وسقطت.  الفيليبين مثلاً، كانت في الستينات مضرب مثل للنجاح الاقتصادي. لذا اختيرت كمقر للبنك الآسيوي للتنمية كشهادة بل اعتراف عالمي بنجاحها الفريد. سقطت الفيليبين فيما بعد بسبب السياسات الخاطئة كما بسبب الفساد الكبير الذي عانت منه حيث بدأ من حكم الرئيس السابق فردينان ماركوس.  لبنان كان من الدول الناجحة جداً حتى سنة 1975 وكان مضرب مثل للاقتصاد الحر الفاعل. أتت الحروب من أهلية وغيرها بالاضافة الى الفساد الكبير وسوء الادارة لتسيء جميعها الى واقع ومستقبل البلد.
من منا لا يذكر دولة الاتحاد السوفياتي ومئات الدراسات التي توقعت أن اقتصادها سيكون الأكبر والأفعل في العالم خلال عقود قليلة. ماذا كانت النتيجة؟  سقوط الاتحاد السوفياتي وتحويله الى دول عدة مستقلة أهمها طبعا روسيا.  معظم مراكز الأبحاث توقعت بدءًا من سنة 2000 ومع ازدهار ما سمي بـ«الاقتصاد الجديد» أن يستمر النمو العالمي وأن لا عودة الى الركود والانحدار. فالطريق عالمياً هي في اتجاه واحد صعودي.  لهذه الأسباب توقعت الدراسات أن تلتقي اقتصادات الدول الناشئة مع الصناعية خلال عقود وأن يغيب الفقر الشديد عالمياً. ماذا حصل؟ ازداد التباعد بين المجموعتين الصناعية والناشئة كما أن الفقر غزا ليس فقط الدول الفقيرة وإنما بعض جوانب الدول الغنية أيضاً. تلاشى التفاؤل بشكل كلي عندما بدأت أزمة 2008 أي الركود الكبير وتضرر الاقتصاد العالمي بشكل كبير.
هل نتذكر الأطروحات التي عمت العالم حول «البريكس» والتي ضمت الاقتصادات الكبيرة ذات المستقبل الواعد أي البرازيل، روسيا، الهند والصين وهنالك من أضاف اليها دولة أفريقيا الجنوبية لتعميم النجاح على معظم الكرة الأرضية. البريكس في وضع اليوم لا يُحسد عليه والكورونا ليست السبب الوحيد. اذا كان متوقعاً للصين أن تنمو في 2022 بنسبة 4,4% وللهند 8,2%، فالتوقعات للبرازيل ليست جيدة أي 0,8% ولروسيا انحدار 8,5% مع الحرب الأوكرانية ولجنوب أفريقيا 1,9% علماً أن مستوى النمو العالمي لـ 2022 هو 3,6%.  هذه توقعات صندوق النقد الدولي التي تخطئ كغيرها، لكن العالم ينظر اليها كمؤشرات مهمة.  قال حاكم المصرف المركزي الهندي السابق «ريدي» أن مستقبل الهند دائما متقلب وصعب التنبؤ، لكن الماضي أيضا غير مفهوم مما يشير الى أن التفسيرات السابقة لا تُظهر الحقائق ربما بسبب السياسة وتنوع الهند بكل المعايير ربما أكثر من أي دولة أخرى.
ليس هنالك عامل واحد قوي يمكن أن يغير المسيرة الاقتصادية للدول. إن تطور أي اقتصاد هو آني وليس دائماً. النمو السليم المتواصل هو استثناء وليس القاعدة.  الأزمات والتقلبات هي المسيرة الطبيعية، وهذا ما تشهد عليه كل الفترات خاصة الطويلة.  المطلوب من الذين يقومون بالتنبؤ أن يقتنعوا أن المستقبل لن يكون على صورة الماضي وبالتالي تصوير المستقبل على أنه امتداد للماضي خاطئ.  المطلوب من كل الدول تحقيق النمو المتوازن وليس بالضرورة النمو القوي المتواصل الذي يُلغي في العديد من الأحيان الفقراء والمناطق البعيدة التي تبقى متأخرة وفقيرة.
ما هي العوامل التي يمكن أن تشير الى التطور المستقبلي لأي اقتصاد دون أن تحدد النسبة المئوية للنمو أو الركود؟  هنالك 3 مجموعات:
أولاً: العوامل الاجتماعية أي التطور السكاني كما السياسي والجغرافي. نسبة النمو تعادل نمو السكان زائد الانتاجية. من السهل معرفة الأولى بدقة لكن الانتاجية معقدة وترتبط بعوامل عدة منها التكنولوجيا والتربية والقوانين والمؤسسات وغيرها. دور السكان والسياسات المرتبطة به متعلقة بتوزع العمل على النساء والمسنين وأصحاب القدرات المحدودة والمهاجرين والآليات. علوم الانسان وأسباب زيادة أو نقص العدد مرتبطة بالصحة والطب والقوانين، وبالتالي تختلف من دولة الى أخرى.  هل السياسيون مقتنعون بالاصلاح والتطور أم ما يهمهم هو فقط الحفاظ على مصالحهم حتى على حساب الشعب. في الجغرافيا، الى أي حد تتوافر العوامل المؤثرة كالمطارات والمرافئ وسكك الحديد والطرق الحديثة؟  جميعها مؤثرة بدرجات مختلفة.
ثانيا:  العوامل الاقتصادية أي التضخم والنقد والدين العام وسوء العدالة الاجتماعية والاستثمارات.  المطلوب تجنب سقوط النقد وما يتبعه من تضخم بسبب ارتفاع أسعار الواردات مما يؤذي الفقراء وأصحاب الأجور والطبقات الوسطى.  تجنب الفوارق في الدخل والثروة أساسي ويؤثر كثيرا على الاستقرار الاجتماعي.  المطلوب أن ترتفع الاستثمارات في الاقتصاد الى ما بين 25 و 30% من الناتج مما يسمح بتطوير البنية التحتية كما الفوقية من صحة وتعليم وغذاء وغيرها.  الدين العام بالنقد الصعب هو دائما مشكلة اذا ارتفع في بعض الدول الى حدود مقلقة أي فوق 90% من الناتج.
ثالثا: العوامل الثقافية والتاريخية التي تميز الأوطان، أي هنالك دول تقوم بالاصلاحات بهدوء لاقتناع السياسيين والسكان بها.  هنالك دول أخرى لا تنفذ فيها الاصلاحات الضرورية الا بعد خضات كبرى وربما ثورات عنيفة تفرض التغيير، أو وربما تفرض تدخل المجتمع الدولي للوصول الى النتيجة المرجوة.  هنالك دول تتعلم من تاريخها أو حتى تاريخ الغير لتجنب الخضات والقيام بالاصلاحات الضرورية للاستمرار. كل دولة تمر بفترات صعود وانحدار، هذا هو حال العالم أجمع. المهم أن لا تطول فترات السقوط ويأتي النمو وثم التنمية ليحلا مشاكل الناس والاقتصاد والدولة.