بيروت - لبنان

اخر الأخبار

17 تشرين الثاني 2021 12:02ص الذهاب إلى فيينا لن يحول دون نشوب حرب إقليمية

حجم الخط
من المرتقب استئناف المفاوضات الفورية في أواخر الشهر الجاري في فيينا، بعد ان توقفت لأشهر طويلة بعد انتخاب الرئيس المتشدد إبراهيم رئيسي، والذي يبدو بأنه قد فضل تأخير المفاوضات لأسباب عديدة، لعلّ من ابرزها: إعادة تركيب عناصر السلطة والتحكم بمفاصلها الأساسية بعد انتهاء مرحلة حكم حسن روحاني، الذي اتصف بالواقعية والعمل السياسي الهادئ، هذا بالإضافة إلى حرص الإدارة الجديدة لإظهار صلابتها وثقتها بنفسها من خلال عدم رغبتها بالهرولة إلى المفاوضات «غير المباشرة» مع الولايات المتحدة، إلتماساً لتسريع عملية رفع العقوبات عن طهران، والتي كان قد أعاد فرضها الرئيس دونالد ترامب بعد انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018.

ستشكل الجلسات المقبلة عند استئناف المفاوضات في نهاية هذا الشهر عملية اختبار يستعملها الطرفان الأميركي والإيراني لاستشراف نوايا الطرف الآخر واكتشاف مدى استعجاله لتحقيق اختراق في جدار الأزمة. فالولايات المتحدة باتت مدركة تماماً بأن إبراهيم رئيسي لا يستعجل انعقاد المفاوضات وذلك لأسباب موضوعية تتعلق بتركيبة الحكم الجديد من جهة،وبتحقيق المزيد من التقدم التقني في مجالي تخصيب اليورانيوم، والتقدم فعلياً لامتلاك التكنولوجيا اللازمة لصنع عناصر القنبلة النووية، ومن أبرزها التوصّل لتحويل اليورانيوم من غاز إلى معدن صلب. هذا بالإضافة إلى رفع نسبة التخصيب من 20 في المائة إلى 60 في المائة، وزيادة المخزون إلى اضعاف الكمية المحددة في الاتفاقية النووية لعام 2015.

دفعت هذه الأسباب مجتمعة واشنطن إلى الإعلان بأنها ما زالت تحتفظ بجميع الخيارات على الطاولة، وذلك في إشارة منها بإمكانية اللجوء إلى القوة العسكرية، وقد مارست بالفعل، وفي عدّة مناسبات ما يعرف بـ«الدبلوماسية الضاغطة» من خلال استحضار قاذفاتها الاستراتيجية للتحليق في أجواء الخليج العربي.

لكن التصريحات الأميركية بأن كل الخيارات ما زالت على الطاولة وتحليق القاذفات الاستراتيجية لا يتناقض إطلاقاً مع رغبة إدارة بايدن في التوصّل إلى اتفاق مع إيران يؤمن عودة واشنطن للاتفاق الأساسي مقابل تخفيف العقوبات المفروضة على إيران تدريجياً، أي بخطوات مدروسة ترتبط بخطوات طهران للتخلي عن كل ما أنجزته في الفترة الفاصلة ما بين عام 2018 وعام 2021.

في الوقت الذي تستعجل فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها عودة إيران للالتزام ببنود الاتفاق النووي والتخلي عن كل ما حققته من مكاسب من خلال خروقاتها لبنوده خلال ما يزيد على سنتين، فإن إيران لا تبدو مستعجلة لاسترضاء الغرب من خلال الموافقة على تبديد هذه المكاسب، وذلك انطلاقاً من الموقف المبدئي القائل بأن امتلاكها للتكنولوجيا النووية هو حق من الحقوق التي يجيزها لها القانون الدول أولاً، وادراكها بأن البرنامج النووي يحظى بمساندة سياسية وشعبية عارمة داخل إيران ثانياً، ويدرك الرئيس رئيسي أيضاً أهمية استكمال المشروع النووي بالنسبة للتيار المتشدد، وخصوصاً للحرس الثوري، والذي يعتبر ان امتلاك إيران للقنبلة وللصواريخ القادرة على حملها يشكلان القوة الرادعة لأي تهديد عسكري لأراضيه أو لمصالحها الإقليمية.

في ظل أجواء الشك والغموض التي ستهيمن على أجواء المفاوضات المقبلة، وتحت تأثير الضغوط التي ستمارسها إسرائيل على الإدارة الأميركية، وتحت تأثير ضغوط «اللوبي» الصهيوني على إدارة بايدن لعدم التهاون في جهودها لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي، يبدو بأن الإدارة الأميركية ستستمر في تقليب مجموعة كبيرة من الخيارات، بما فيها الخيار العسكري، والذي تعتبره إسرائيل الطريق الأقصر والوسيلة الأنجع لمنع إيران من امتلاك القنبلة. لكن يبدو وبوضوح بأن إسرائيل وبعض دعاة اعتماد هذا الخيار من اليمين الأميركي يتناسون إمكانية ان تتسبب أي ضربة «جراحية» للمواقع النووية الهامة داخل إيران بالانزلاق إلى حرب واسعة ومكلفة جداً وطويلة، وهذا ما تريده إدارة بايدن، والتي تسعى إلى تركيز كامل جهودها على الأوضاع الاستراتيجية الجديدة التي فرضتها الصين بعد تنامي قدراتها العسكرية والاقتصادية والتي تضعها في مصاف القوة الكبرى الوحيدة المنافسة للولايات المتحدة.

لا يمكن ان تنتهي المسألة والخلافات القائمة بين واشنطن وطهران لمجرد العودة الأميركية للاتفاق النووي، بل لا بدّ ان تتناول قضايا أكثر تعقيداً، تنطلق من إرث العداء والعلاقات المتوترة المستمرة منذ ما يزيدعن أربعة عقود بين البلدين، لتتصل باستراتيجية إيران لفرض هيمنتها على عدد من دول المنطقة وبشكل يُهدّد حلفاء واشنطن، كما يُهدّد المصالح الجوية للولايات المتحدة في المنطقة، من هنا يبدو بأن إدارة بايدن ترغب في توسيع الحوار مع إيران، من خلال الاستفادة من العودة للاتفاق النووي لبحث سياسة وسلوكية إيران تجاه جيرانها العرب. لكن تخطئ الولايات المتحدة إذا اعتبرت ان عودتها للاتفاق النووي المترافق مع رفع تدريجي للعقوبات سينتج الأجواء الإيجابية لدخول إيران في «بازار» التخلي عن مواقعها المهيمنة على أربع عواصم عربية على الأقل.

وتبدو أهمية وإلزامية واشنطن على تنسيق خطواتها مع إسرائيل سواء في الموضوع النووي، أو في موضوع التدخل الإيراني في دول المنطقة، الأمر الذي بات يُشكّل تهديداً للأمن الإسرائيلي وللمصالح الاستراتيجية الإسرائيلية.

تعتبر تل أبيب بأن انتشار الميليشيات الإيرانية في سوريا، وقوة حزب الله العسكرية في لبنان يشكلان تهديداً حقيقياً على جبهتها الشمالية، وهي جادة في التعامل معه من خلال استمرار غاراتها الجوية داخل سوريا، ومن خلال التهيئة والاستعداد لمواجهة الخطر الذي يشكله حزب الله عبر الحدود اللبنانية، ويبدو من خلال التدريبات والمناورات التي تجريها إسرائيل في البر والجو والبحر، ما هي سوى استعدادات حقيقية لمواجهة سيناريو الحرب المقبلة مع إيران وميليشياتها.

من المعلوم بأن القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية لا تؤمن بأن العودة للاتفاق النووي ستؤمن لها الضمانة اللازمة لعدم امتلاك إيران للسلاح النووي، وهذا ما سيدفعها دائماً إلى الاستعداد للقيام بعمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية. لكن تدرك هذه القيادات الإسرائيلية ما يمكن ان يترتب عن ذلك من اخطار عليها سواء لجهة حصول قصف صاروخي إيراني لمدنها أو لجهة فتح ثلاث جبهات ضدها من غزة ومن سوريا وفي لبنان، تدفع هذه المخاطر القيادة الإسرائيلية إلى تنسيق خطواتها مع الولايات المتحدة من أجل تأمين دخول واشنطن كشريك لها في مواجهة إيران وحلفائها، اذا ما تطورت المواجهة إلى حرب شاملة.

لا يبدو ان الطريق لعودة واشنطن إلى الاتفاق النووي هي سهلة أو معبدة في ظل رئاسة المتشدد إبراهيم رئيسي، وسيلجأ المفاوض الإيراني إلى المناورة وإضاعة الوقت أثناء محادثات فيينا، وبما يفسح في المجال امام إيران لتحقيق المزيد من التقدم على طريق امتلاك تكنولوجيا القنبلة النووية. ويبدو بأن إيران ستسعى إلى استعمال كل الدروس والعبر الممكنة من خلال التجربة التي اعتمدتها إسرائيل وباكستان وكوريا الشمالية في خديعتها الدبلوماسية الدولية من أجل الحصول على السلاح النووي.

تبقى الخشية من ان يؤدي الإصرار الإيراني على تطوير وامتلاك التكنولوجيا الإيرانية، إلى جانب تطوير قدرات حلفائها العسكرية على حدود إسرائيل إلى زيادة أجواء الشك والغموض، وبالتالي خلق الظروف المؤاتية لنشوب حرب مدمرة، في ظل الارتقابات بأن يدفع لبنان الثمن الباهظ من خلال توجيه معظم قدرة إسرائيل النارية لتدمير معظم بناه الرئيسية.

ان الذهاب إلى فيينا لا يمنع حصول حرب إيرانية - إسرائيلية مباشرة أو بالوكالة، خصوصاً في ظل السياسات المتشددة للقيادة الإيرانية الجديدة ومحاولاتها النشطة لتوسيع نفوذها وفرض هيمنتها على دول المنطقة وخصوصاً تلك المحيطة بالدولة العبرية.