بيروت - لبنان

اخر الأخبار

24 آب 2021 08:19ص طالبان لبنان وطالبان أفغانستان

حجم الخط
يتموّضع لبنان ضمن لعبة إدارة الوقت الضائع الساريّة المفعول في الإقليم لحين تبلوّر خريطة المصالح الدولية والإقليمية. وكلاء الإقليم، المعلنون منهم كحزب الله وحلفائه كما  وكلاء الهوى المختلف في المقلب الآخر أو حتى أولئك الذين يقفون في الوسط ويظهرون الحرص على تشكيل الحكومة، والمستعدون للذهاب إلى أقصى التنازلات من أجل ذلك، يدركون أنهم لا يملكون سوى إعلان النوايا. لعبة الأمّم التي لم تتّضح معالمها والتي تعبّر عنها مشاريع الفوضى في كل من سوريا والعراق واليمن ولبنان، يستظلها صراع على المال العام تخوضه أحزاب وميليشيات وعائلات سياسية مستحدثة للحفاظ على موقعها  في اللعبة القائمة، فيما  تدفع الإقتصادات الوطنية ومدّخرات الشعوب ضريبة بقائها. التشكّلات السياسية اللبنانية التي عاشت وترعرعت في لبنان وتقاسمته،  تستيقظ من جديد على وقع صراع إقليمي دولي لتقدّم أكثر أشكالها تسلطاً وصفاقة في جمهورية العماد ميشال عون، ولتضيف لدورها في الإستيلاء على الإقتصاد أدوارالعبث الأمني واستدامة  التعطيل السياسي.

إنّ وقائع اعتداء رئيس الجمهورية على صلاحيات رئيس الحكومة المكلّف  وتكريس أعراف  الحصة الرئاسية  والثلث المعطل وسواها، والإعتداءات المتكررة على رئيس الحكومة بالتدخّل في جدول الإعمال وإهمال المراسيم، لا يجوز النظر إليه من قبيل المقارعة بين مذاهب صاحبة حقٍ بالمحاصصة. فانكفاء  الرئاسة الثالثة  ودفعها للإحتماء في كنف رئاسة المجلس النيابي لا يعزز الموقع الشيعي ضمن المعادلة الطائفية الخارجة عن الدستور، وليس دليل حصانة تتمتع بها الرئاسة الشيعية للمجلس النيابي وهي عصيّة على رئيس الجمهورية. ولكنّ حقيقة الأمر أنّ الرئاسة الثانية تضحّي بأثمن ما فوّضها الدستور من صلاحيات، فاختيار الرئيس المكلّف يقع على عاتق أعضائها ومنح الحكومة الثقة من صلاحياتها  دون سواها، فالحكومة لا تمنح الثقة على درجتين، الأولى لدى رئيس الجمهورية  والثانية في المجلس النيابي، والإعتداء على صلاحيات الرئيس المكلّف هو اعتداء بالدرجة الأولى على المجلس النيابي وعلى رئيسه وعلى ما تعتبره الطائفة الشيعية حصانة قادرة على الإحتفاظ بها إن لم يكن عبر المؤسسات فعبر الفوضى المنضبطة التي تتقنها. إنّ المهازل وجلسات الفجور التشريعي التي تجري تحت قبّة البرلمان لهي دليل قاطع أنّ النظام الطائفي ينهار برمّته دفعة واحدة وليس هناك من قدرة لأيّ طائفة على التمايز وادّعاء القدرة على الإحتفاظ بموقعها. كما أنّ الزيارات المكوكية لتشكيل الحكومة اللبنانية العصيّة على التشكيل لم تعد تكفي لإيهام  اللبنانيين أنّه لا زال هناك رئيس يقبع في قصرالرئاسة وأنّ هناك طريقاً يسلكه رئيس مكلّف  للتشاور معه. تُنبىء الصور والمقابلات التي تجرى في بهو القصر أنّ الجمهورية ستدخل في إجازة طويلة وأنّ مفاتيح القصر ستكون في عهدة الحاشية المقيمة هناك قسراً لحين إخلائها.  

تقدّم  عودة طالبان الى الإمساك بأفغانستان مشهداً يستحق التوقف عنده. إنّ التسليم  بأنّ ما حصل في أفغانستان لا ينطلق من رغبة أميركية أكيدة في العودة الى لعبة العبث بالمكوّنات الطائفية بشكلها الأقسى يناقض الدروس المستفادة من المقاربات الأميركية للمنطقة. انكفأ الأميركيون عن أفغانستان لصالح دولة أصولية إحتضنت كلّ أنواع الإرهاب الديني تحت مسميّات متعدّدة وهي متأهبة لخوّض غمار كلّ الصراعات مع الدول المحيطة بها. لقد عكست جلسة مجلس الأمن الأخيرة المخصّصة لمناقشة الوضع في أفغانستان محاذرة كلّ من روسيا والصين  والدول الكبرى عامةً إتّخاذ أيّ موقف قد يُطلق شرارة الإشتباك مع طالبان التي تختزن القدرة على إطلاق صراع مذهبي مفتوح مع طهران  قادر على اجتذاب  كلّ المجموعات الممتدة من شرق آسيا حتى شواطئ المتوسط وقادرة على إدخالها في صدامات دمويّة لا متناهية. 

وعلى وقع ما يجري في افغانستان، يخفت أزيز المسيّرات الحوثية فوق المملكة العربية السعودية بما يوحي بمراجعة طهران لأولوياتها، ويذهب رئيس الحكومة العراقية  لدعوة دول الجوار الى حوار مفتوح حول التعاون الإقليمي في مجالات الأمن والإقتصاد في محاولة للخروج من دوامة عنف مرتقبة بين أصناف متعدّدة من الحشد الموّزعة بين السنّة والشيعة وداخل الطائفة الشيعية نفسها تتساوى لبنان مع طالبان أفغانستان التي تعلن للملأ أنها غير ملزمة بتحديد مهلة لتشكيل الحكومة الجديدة.