بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 كانون الثاني 2019 12:29ص مَن يرفع الظلم الطائفي عنهم..؟

حجم الخط
عجز الطبقة السياسية عن تأليف حكومة بعد أشهر طويلة من انتهاء الانتخابات النيابية، أمرٌ باتت خلفياته معروفة بالنسبة للبنانيين...
أن يستمر التعثر الحالي في إطلاق ورشة المشاريع الحيوية والملحّة، من محطات الكهرباء، إلى معامل النفايات، واقع مؤلم يتجرّع اللبنانيون مرارته كل يوم ...
أن تدور خطابات وشعارات مكافحة الفساد في طواحين الهواء، وتضيع في زواريب الزبائنية السياسية، صدمة مستجدة في سلسلة الصدمات التي يواجهها «العهد القوي»...
أما أن تصل الأمور إلى تجميد خطوات روتينية بحتة، في إطار مزايدات بغيضة، كما يحصل حالياً مع الفائزين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، فهذا يعني أن الأوضاع وصلت إلى حالة من الانهيار والضياع، ليس من السهل التخلص منها، أو على الأقل السيطرة عليها!
التستر بحجة اختلال التوازن الطائفي لتجميد هذه التعيينات، غير مقبول، كما أنه غير قانوني، وغير دستوري، ويتناقض مع أبسط مبادئ الطائف، وقواعد العيش المشترك، والتي كرّست جميعها مبدأ المناصفة بين المسلمين والمسيحيين في وظائف الفئة الأولى فقط ، وتركت المراكز الأخرى بعيدة عن المحاصصة الطائفية، حفاظاً على مبدأ المساواة بين المواطنين أولاً، إلى جانب مراعاة الكفاءة لطالب الوظيفة بمنأى عن انتمائه الطائفي.
الشابات والشبان الفائزون في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، المعني الأول قانوناً، في اعتماد الكفاءة كمبدأ أساسي في اختيار موظفي الدولة، بناءً على امتحانات تُشرف عليها لجان من أهل الخبرة والاختصاص، تضم موظفين من مختلف الطوائف، تحوّلت مشكلتهم إلى قضية وطنية بامتياز، ولم تعد مجرّد تأخير روتيني، أو مناورة سياسية لتحقيق مكاسب شعبوية، لهذا الرئيس أو ذاك الوزير.
هي قضية وطنية، لأنها تكشف عن مخالفة دستورية صريحة للنصوص الواضحة، والتي لا تحتمل المزيد من التفسير أو الاجتهاد، من جهة، ولأنها ثانياً تتسبب بتعطيل وعرقلة العمل بمرافق أساسية للدولة بحاجة لملء الفراغات الحاصلة في ملاكاتها، لا سيما بالنسبة للمراقبين الجويين، وعملهم الدقيق والخطير، في تنظيم الملاحة الجوية في هذا المرفق الحيوي.
الواقع أنه إذا كان ثمّة خلل في وظائف الدرجات الصغرى والمتوسطة في إدارات الدولة، فهو ناتج عن الفارق العددي بين الطوائف الإسلامية والمسيحية، والذي يعكس نتائجه على الفوارق الكبيرة بين أعداد المتقدمين للوظائف العامة في الإدارات والأجهزة الأمنية، كما هو حاصل مثلاً بالنسبة للناجحين كمراقبين للأحراج في مختلف المناطق. فهل وظيفة بمستوى ناطور الحرج تخضع لمعايير المناصفة، خلافاً لكل النصوص الدستورية والقانونية الواضحة؟
ولم يعد سراً أن الإصرار على هذه الظاهرة غير القانونية، والبعيدة عن أبسط الاعتبارات الوطنية، قد أدّت في كثير من الأحيان إلى توظيف ساقطين في الامتحانات، أو أخذ عناصر غير مؤهلة، تجاوباً مع مزايدات شعبوية، رفع أصحابها شعارات التوازن الطائفي، في أدنى درجات السلّم الوظيفي!
ورغم المحاولات المتعددة التي جرت في المؤسسات الأمنية، لم يتحقق التوازن المنشود على مستوى الأفراد في عديد هذه المؤسسات، لإحجام الشباب المسيحي عن الانخراط في هذه المؤسسات بنفس النسبة التي يُقبل عليها شباب الطوائف الإسلامية.
وبالمقابل، فإن ثمّة خللاً فادحاً في بعض المراكز الحسّاسة لمصلحة الطوائف المسيحية، مثل عدد كتّاب العدل في بيروت، حيث تميل الكفة بفارق كبير لمصلحة كتّاب العدل المسيحيين، ولم تفلح الأصوات التي اعترضت في حينها، لا في تغيير هذا الواقع، ولا حتى في تجميد التعيينات على الأقل، كما هو حاصل اليوم مع أكثر من ٨٠٠ ناجح في امتحانات مجلس الخدمة منذ بضعة أشهر، ويضطرون للتظاهر في الشوارع والاعتصام في الساحات، مطالبين برفع الظلم الطائفي عنهم!
وأكثر من ذلك... فقد أسفرت نتائج امتحانات كتّاب العدل الأخيرة عن زيادة في عدد المسيحيين عن أقرانهم المسلمين، بمعدل ٦٠ بالمئة مقابل ٤٠ بالمئة للمسلمين، فهل سيتم تجميد صدور قرار تعيينهم أيضاً، أم أن هذا الملف يبقى خارج حسابات المناصفة الطائفية؟