بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 نيسان 2022 09:08ص الهجرة من جهنم إلى عباب الموت..

حجم الخط
الفيحاء ثكلى، الحزن يلف المدينة الغارقة في هموم الفقر والإهمال، شباب طرابلس يتامى، وهم ليسوا إيتاماً، أمواج البحر تبكي الضحايا البريئة، والناس تهيم على وجهها هرباً من الموت إلى الموت.
فاجعة المركب الغريق ليست الأولى في سجل الهجرة القسرية من الوطن، وقطعاً لن تكون الأخيرة، لأن الهروب من جهنم هذه السلطة سيستمر بشتى الوسائل طالما هذه الإنهيارات مستمرة، وعجز المسؤولين الفاشلين والفاسدين يتفاقم يوماً بعد يوم، ويرمي بمزيد من أثقال الحياة المعيشية على كاهل الأكثرية الساحقة من اللبنانيين.
المدينة التي كانت لؤلوة المتوسط، والعاصمة الإقتصادية الأولى في لبنان، وتشكل الامتداد الإقتصادي والإجتماعي الطبيعي للشمال السوري، وتقوم على شواطئها مصفاة للنفط، ومرفأ لتصدير هذه المادة الحيوية إلى أوروبا والعالم، تحوّلت بعد الحرب إلى أفقر مدينة على شاطئ المتوسط، وإلى عاصمة للبطالة في لبنان، وأضحت تضم أكثر عدد من العشوائيات والأحياء الفقيرة، والمبتني المزرية التي لا تصلح للسكن .
والمفارقة في هذا المشهد المأساوي، أن المدينة تضم أغنى الأغنياء في لبنان، بعضهم جمع ثروته من المشاريع الداخلية، ومع ذلك لم ينفذ أحد منهم في طرابلس مشروعاً صناعياً واحداً، يمكن أن يوفر فرص العمل للشباب العاطل عن العمل ويُساهم في تحقيق حد أدنى من الخطوات الإنمائية في المدينة.
هذا الواقع المرير الذي يُبقي الأبواب مفتوحة أمام موجات الهجرة القسرية على عباب الموت، الأمر الذي يتطلب تحقيقاً جدياً في ملابسات الحادثة التي أودت بحياة نساء وأطفال وأرباب عائلات ذنبهم الوحيد أنهم حاولوا إخراج عيالهم من جهنم هذه المنظومة الفاسدة والفاجرة، وتأمين حياة لأطفالهم أفضل من التي عاشوها في مآسي الفقر والعوز والبطالة والتعتير.
التحقيق المطلوب مع الدورية العسكرية البحرية لكشف ملابسات المأساة المروعة لا يعني أن الجيش أصبح في دائرة الاتهام، بقدر ما يجب أن يعني الحرص على صون التلاحم بين الشعب والجيش في هذه الظروف الصعبة، التي يُعاني منها العسكري كما المواطن العادي، وذلك بإظهار الحقيقة مهما كانت قاسية، وعلى قاعدة أن يتحمل كل مسؤول يُظهره التحقيق نتائج أعماله، حفاظاً على دور المؤسسة العسكرية الوطني، وحفظاً لمكانتها في وجدان الوطن.
ولا ندري إذا كانت أرواح الأبرياء من نساء وأطفال ستهز ضمائر زعماء المدينة وقياداتها، وتحثهم على العمل من أجل رفع بعض الضيم الذي يعانيه أبناء الفيحاء الأشاوس، حتى لا تستمر الهجرة القسرية من جهنم إلى رحلات الموت في البحر.