بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 تشرين الأول 2022 08:03ص بين عالمية دبي وغيبوبة بيروت..

حجم الخط
لا أدري لماذا كلما زرت دبي أُجري مجموعة من المقارنات المختلفة، بين لؤلوة العواصم بيروت، والأيقونة المتألقة على شاطئ الخليج العربي دبي.
طبعاً المقارنات لا تمت إلى هذه الأيام التعيسة في لبنان بصلة، بل تعود إلى ذلك الزمن الذهبي لسيدة العواصم بيروت، يوم كانت في الستينات وحتى عشية إندلاع الحرب البغيضة في أواسط السبعينات، عاصمة العرب، وواحتهم الحضارية، ووجهتهم السياحية، ومستشفاهم الأقرب إلى معالجة آلامهم، وجامعتهم التي تخرَّج منها المئات من الوزراء وكبار المسؤولين في بلدانهم، ومقصدهم للتسلية لعشاق السهر واللهو في كازينو لبنان أفخم كازينوهات البحر المتوسط في تلك الحقبة، حيث إستضاف إنتخابات ملكة جمال أوروبا، ومنه أنطلقت ملكة جمال لبنان جورجينا زرق لتصبح ملكة جمال الكون. ومصارف بيروت كانت مرسى «البترول دولار» العربي لأن خدمات مصارفها، وقانون السرية المصرفية فيها، كان الأكثر أماناً للحكومات والأفراد من البنوك السويسرية والأميركية.
بيروت الستينات أدهشت «الشاب» الشيخ محمد بن راشد، يوم كان يزورها برفقة والده، بحضورها البشري العالمي المتنوع، بشوارعها النظيفة، والبنايات الحديثة، وعماراتها التراثية، والطرقات المضيئة، والأسواق المزدحمة، والحركة التي لا تهدأ على مدار الساعة، لدرجة أنه كان يتساءل، حسب ما كتب في مذكراته الجريئة: متى ستصبح دبي مثل بيروت.
من الظلم اليوم مقارنة دبي المزدهرة بواقع بيروت المزري. دبي مدينة عالمية بإمتياز تجمع على أرضها خليطاً بشرياً يُقدر بأكثر من مليوني أجنبي، أي ما يقارب عشرة أضعاف سكانها المواطنين، وتعتبر عاصمة العالم السياحية لأنه يمر بمطارها ويقصدها أكثر من تسعين مليون سائح سنوياً، وهي مدينة الفنادق الأكثر فخامة في العالم، والمتميزة بوجود أكبر عدد من سلسلة المطاعم الأكثر شهرة في العالم، وتستقطب المعارض والمناسبات الدولية، وتتوفر فيها منطقة حرّة كبيرة تضم فروعاً لشركات صناعية وتجارية عالمية.
وأصبحت دبي أكثر المدن العربية تقدماً في تطبيق قواعد الحكومات الألكترونية، حيث يستطيع المواطن، أو حتى المقيم، أن يُنهي جميع معاملاته اليومية، وهو في منزله أو في مكتبه، ودون أن يضطر إلى الذهاب إلى دائرة حكومية لدفع الرسوم أو تجديد الإقامة أو رخصة قيادة السيارات ، حتى التوقيع على عقد شركة التأمين، أو حتى الحصول على تأشيرة دخول لأهله.
لا داعي للحديث عن بديهيات الحياة المعيشية من كهرباء ومياه ونظافة، وطرقات وبنية تحتية تُضاهي أكثر الولايات الأميركية تقدماً، فضلا عن المجمعات الإستهلاكية والأسواق التي تلبي حاجات كل المستويات.
عدت إلى مدينتي بيروت فوجدتها في غيبوبة محزنة، لا أدري متى يمكن أن تصحو منها، وتعود إلى حياتها المتلألئة، وتستعيد مكانتها الضائعة على عرش سيدة العواصم!