بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 تموز 2022 12:00ص حريق الأهراءات والسقوط الحرّ

حجم الخط
صمدت صوامع الحبوب في الإهراءات بوجه الانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت يوم 4 آب 2020 وحَمَت أجزاء عزيزة من العاصمة، ولكن الحريق يشتعل بها من جديد. حسب بيان المديرية العامة للدفاع المدني فإن الحريق هو حصيلة انبعاثات ناتجة عن تخمير مواد متبقية في الصوامع وهي مواد غير معروفة بسبب عدم تحديد أنواع المواد الكيمياوية المترسّبة على أثره، وما نتج عنها من حصول تفاعلات كيميائية جديدة ومعقّدة نتيجة اختلاط الغازات المنبعثة مع غازات أخرى موجودة في الهواء.
هذا الحريق حوّل الصوامع إلى فرن تتصاعد منه ألسنة النيران واللهب تهدّد الإهراءات بالانهيار الذي في حال حصوله، يحرّك السكّين في جرح اللبنانيين النازف منذ يوم الانفجار المشؤوم، ويؤجّج لديهم ـ في الذكرى الثانية للكارثة ـ حريقًا يُضاف إلى سلسلة الحرائق التي تشتعل في صدورهم وقلوبهم، ويعجز الدفاع المدني وكل أفواج الإطفاء عن إخمادها. حريق المرفأ ومخاطر انهيار الاهراءات هو تجسيد لحريق الوطن المشتعلّ ومخاطر انهيار ما تبقى من آمال لدى اللبنانيين في الخلاص من النار التي يكتوون بها من جراء فقدان الدواء والغذاء، وتفاقم أزمة الاستشفاء، وتفشي الغلاء واستشراء الفساد، وما من يسأل ولا من يجيب.
لا بدّ من تذكير المعنيين أن انفجار المرفأ والحريق المتجدّد في الاهراءات يختزل المأساة اللبنانية ومسبّباتها من الفساد والفشل والأنانية واللامبالاة وصولًا إلى الانتحار. وإذا كان حريق المرفأ قد وجد أبطالًا من الدفاع المدني وفوج الإطفاء يستبسلون في محاولاتٍ متكررة لإنقاذ ما تبقى رغم تواضع معداتهم وتجهيزاتهم وفي الأمكنة ذاتها التي استشهد فيها رفاقٌ لهم قبل عامين، فإن حريق الوطن لم يدفع قياداته للإقلاع عن المواقف الشعبوية والخروج من التقوقع كلٌ خلف أنصاره، حيث يصرّون على تقاذف المسؤوليات بدل اعتماد إرادة صلبة واعية وشجاعة لإنقاذ ما تبقى من مقوّمات الوطن وانتشال اللبنانيين الذين لم يعُد لهم متسعًا للصبر بعدما استهلكتهم المأساة وأوشكت آمالهم على الانهيار في ظلّ استحالة تأليف حكومة وربما تعذّر انتخاب رئيسٍ جديد للجمهورية. وها إنهم قد أصبحوا أمام «مأزق منظّم» على حدّ تعبير وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان.
مؤلمٌ هو القلق من سقوط الإهراءات، لكن الأشدّ إيلامًا هو الاقتصاد اللبناني الذي بات في حالة سقوطٍ حرّ.