بيروت - لبنان

اخر الأخبار

4 كانون الأول 2021 12:00ص أحمد البربير وأحمد عز الدين وعبد الغني النابلسي وخيال الظّل

حجم الخط
ثلاثة رحالة زاروا بيروت ودوّنوا في رحلاتهم ما شاهدوه بها. الفارسي ناصر خسرو علوي والتركي العثماني اوليا شلبي والعربي عبد الغني النابلسي. دامت رحلة ناصر خسرو سبع سنين من 437 الى 444هـ/ 1045 الى 1052م دوّن مشاهداته في كتاب السفر (سفر نامه) ترجمه يحيى خشاب سنة 1943م. شاهد في بيروت طاقاً حجرياً مرتفعاُ شقّت الطريق وسطه وعلى جانبيه نصبت على قمته أعمدة من رخام وقيل له ان هذا المكان يقال له حديقة فرعون. وزار اوليا شلبي بيروت سنتي 1648 و1670م وخصّ بيروت بعدّة صفحات من مجلداته العشرة فذكر مساجدها وأسواقها وحماماتها والمسجد الخشبي المقام في قلعتها. أما الثالث عبد الغني النابلسي فقد زار بيروت سنتي 1693 و1700م وزار حماماتها وزاوية الشويخ التي بناها الوالي قبلان باشا المطرجي (أصبحت جامع المجيدية). وتبادل حديث الأدب والشعر مع أحمد عز الدين المدرّس في زاوية الأوزاعي.

نشير إلى وجود نص على لوح رخامي بالحائط الشمالي لحجرة الركن الجنوبي الغربي في الجامع العمري الكبير يقول بأن «السيد أحمد بن عز الدين جدّد هذا المحل للّه كانَ فأرّخوا ولذكره عزّ وجلّ». (صورة اللوحة بعدسة الصديق الدكتور سهيل منيمنة رئيس جمعية تراثنا بيروت).

أحمد عز الدين وأحمد البربير وعبد الغني النابلسي

ذكر الشيخ أحمد البربير في كتابه «الشرح الجلي على بيتي الموصلي» انه إذا مات الجنين في الرحم يقال «غرقته القوابل» وذكر بيتين (الأول والرابع) لأحمد عز الدين من أصل أربعة أبيات ذكرها النابلسي في كتابه «الرحلة الكبرى» لعز الدين وهي:

ثمانون عاما فما فوقها

مضت يا لعمري بلا فائده

تقضّت ولم أك أشعر بها

كأني بها ساعة واحده

أيا ضيعة العمر حيث انقضى

بآراء سامجة فاسده

فيا ليت ما اهتم بي والدي

ويا ليتها حارت الوالده

ذكر البربير البيت الرابع كما يلي:

فيا ليتني لم أك مضغة

ويا ليتها حاضت الوالده

والعقر والعقم داء يكون في أرحام النساء، وفساد يكون في مني الرجال يمنع انعقاده، لأن مني الرجل كالروبة، ومني المرأة كاللبن، فمتى صلحت الروبة واللبن، انعقد جنيناً، ومتى فسد أحدهما لم ينعقد الجنين. فإن مات الجنين في الرحم يقال: قد غرّقته القوابل، قال الشاعر:

فبيت سعيراً كان حيضاً برجلهم وليت سعيراً غرّقته القوابل

لأنه إذا أراد الله موته في الرحم أرسل إلى أمه الحيض، فكأن الحيض يغرقه.

سمع النابلسي من أحمد عز الدين من الدوبيت البيتين:

صبري وتجلدي باسماعيلا

والقلب متيّم باسماعيلا

لو قيل تسلى عنهما يا هذا

قالت عيناي لا وأسماعيلا

أحمد عز الدين وعبد الغني النابلسي وخيال الظل

وصف النابلسي أحمد عز الدين بأن «فيه نباهة اعتقادية وطرف جذية آلهية»، وأن أحمد طلب منه نظم موشح لينشده الفقراء على ذكر الله تعالى كما هو طريقتهم، فأجابه إلى ذلك. وقال ان أحمد عز الدين البيروتي أخبره بأنه رأى في الواقعة المنامية منشداً ينشد البيت:

الكل إشارة وأنت المعنى

يا من لا إله إلا هو

وفي جلسة ثانية أنشد أحمد عز الدين من نظمه لنفسه قوله:

أرى هذا الوجود خيال ظل

محركـه هو الرب الغفور

فصندوق اليمين بطون حوّى

وصندوق الشمال هو القبور

كما أنشده من لفظه لنفسه:

ما خيال الظل إلا عبرة لمن اعتبر

فاعتبر قولي أيا هذا تجده معتبر

تترآى للنظر وكذا الدنيا شخوص

ثم تمضي وتولي مثل لمحٍ بالبصر

وهو من قول الإمام الشافعي:

رأيت خيال الظل أكبر عبرة

لمن هو في علم الحقيقة راقي

شخوص وأشباح تمر وتنقضي

وتفنى جميعا والمحرك باقي

خيال الظل في بيروت

يؤشر الحوار بين أحمد عز الدين وعبد الغني النابلسي على قدم خيال الظل (مسرح القره قوز أو الكراكوز) في بيروت. فيذكر ان هنري غيز الذي كان قنصلا لفرنسا في بيروت في الربع الأول من القرن التاسع عشر أصدر سنة 1847م مذكراته وقال فيها «المقاهي كثيرة في بيروت يدفع الزبون عشر بارات مقابل: القهوة والنرجيلة ومسرح القراكوز...».

لم يعرف من هم الذين مارسوا مسرحيات القراكوز في بيروت. إنما ورد في أحدى الوثائق العائدة لسنة 1286هـ/ 1896م أثناء معاملة بيع دار قرب باب يعقوب بين محي الدين شاتيلا ممثلاً بوكيله الشاعر عمر الانسي السقعان وبين المشتري علي بن مصطفى النقيب، ذكر لشهود العقد وكان منهم الحاج سعيد ابن الحاج حسن الدباس الشهير بالكركوزاتي.

مسرح «خيال الظل» أو القراكوز عبارة عن حاجز خشبي يفصل المشاهدين عن اللاعب وترتفع فوق الحاجز ستارة من القماش الأبيض ومن داخل المسرح مجموعة من شخوص العروض التمثيلية طول الواحدة حوالي القدم (30 سم) مصنوعة من جلد حيوان على شكل الشخصيات المشتركة في المسرحية أو شكل الحيوانات والجماد.

وزار الرحالة الدبلوماسي الإيطالي PEROLARE MALMIGNATI بيروت سنة 1875م وشاهد في قهوة القزاز بساحة البرج مسرحية من مسرح القره قوز في إحدى ليالي رمضان (سنتناول المسرح وتقاليده عناوين بعض المسرحيات وما بقي منه على ألسنة العامة من أمثال وكنايات في مقال خاص).



* مؤرخ