بيروت - لبنان

اخر الأخبار

16 حزيران 2022 12:00ص العلماء مع اقتراب شهر ذي الحجّة: فلتكن أيامه بداية لحياة مليئة بالطاعات والحسنات

القاضي الشيخ احمد الكردي القاضي الشيخ احمد الكردي
حجم الخط
ان من فضل الله تعالى على عباده ان جعل لهم مواسم للطاعات يكثرون فيها من العمل الصالح ويتنافسون فيها فيما يقرّبهم إلى الله، والمسلم السعيد هو من اغتنم تلك المواسم ولم يجعلها تمرّ عليه مروراً عابراً، ومن هذه المواسم الفاضلة شهر ذي الحجة والعشر الأوائل منه، وهي أيام شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال انها أفضل أيام الدنيا، وحثّ على العمل الصالح فيها، بل ان الله تعالى أقسم بها وحده.
وحريّ بالإنسان المسلم المؤمن أن يستقبل مواسم الطاعات عامة ومنها العشر من ذي الحجة بأمور التوبة الصادقة، والعزم الجاد على اغتنام هذه الأيام بالأقوال والأفعال والأعمال الصالحة، والبُعد عن المعاصي والتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى... فلحياة الإنسان المسلم مواسم سنوية يجب أن نحرص على اغتنامها والاستزادة منها من الخير عن طريق أداء بعض العبادات المشروعة والتقرّب إلى الله تعالى بالأعمال والأقوال التي تعينه على مواجهة ظروف الحياة، لذلك يتوجّه العلماء للمسلمين في أيام العشر الأوائل من ذي الحجة، وهذا ما سنعرضه في تحقيقنا التالي:

الكردي
{ القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي قال: ان من رحمة الله الواسعة على عباده ان جعل موسم العشر الأوائل من ذي الحجة موسماً مشتركاً بين الحجاج وغيرهم، فمن عجز عن الحج في عام قدر على الاجتهاد في العبادة في هذه الليالي العشر..
فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»، فهذا الحديث دلالة واضحة على ان العمل في هذه الأيام العشر أحب إلى الله من العمل في أيام الدنيا كلها.
وتابع قائلاً: ومما لا شك فيه ان عبادة الله تعالى والتقرّب إليه بالطاعات القولية والفعلية مطلوبة من المسلم في كل وقت وحين، إلا انها تتأكد في بعض الأوقات والمناسبات التي منها هذه الأيام من شهر ذي الحجة، لذلك على المسلم استقبال هذه الأيام بالتوبة والإقلاع عن جميع الذنوب والمعاصي حتى يترتب على أعماله المغفرة والرحمة والتوفيق فكانت التوبة الصادقة النصوح متأكدة في هذه الأيام كما انها راجية في كل وقت من كل ذنب ولكنها في مثل هذه المواسم والمناسبات هي واجبة فإذا أصبح للمسلم توبة نصوح من أعمال فاضلة في أزمنة مباركة فذلك عنوان لصلاحه وفلاحه، إذ قال الله تعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ}، وقال أيضاً: {فَأَمَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ}.
أضاف قائلاً: ان الحج والعمرة هما من أفضل ما يعمل في الأيام العشر بل من خصائص هذه الأيام مشروعية الحج فيها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «العمرة إلى العمرة كفّارة لما بينهما» و«الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، بالإضافة إلى الإكثار من الذكر في هذه الأيام المباركة ذكر الله سبحانه وتعالى بجميع أنواعه من قراءة قرآن وتكبير وتسبيح {لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ}.
كما أكدت السنّة النبوية الشريفة على الذكر والإكثار منه في هذه الأيام من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيها في هذه الأيام العشر فأكثروا من التهليل والتكبير والتحميد. وختم قائلاً: فليقبل المسلمون من أهل القرآن على تلاوة كتاب الله في هذه الأيام المباركة، ولا يخفى ما للقرآن من فضل عظيم على كثير من الأعمال تلاوة وحفظاً وتدبّراً وعملاً به ويكمن في ذلك قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} فليغتنم المسلمون المؤمنون هذه الليالي المباركة بالطاعات والعبادات والتقرّب إلى الله لعلهم يفوزون بالجنة فوزاً عظيماً.
شحادة
{ أما القاضي الشيخ حسن الحاج شحادة فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرّضوا لها لعلّ أحدكم أن يصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبداً». والعشر الأوائل من ذي الحجة من مواسم الخير آتية ينبغي على المسلم أن يتعرّض فيها لنفحات رحمة الله عزّ وجلّ بالإكثار من العمل الصالح في هذه الأيام، والعشر الأوائل من ذي الحجة أيام يبدأ فيها الإنسان في مهمة السعي حول أدائها فريضة الحج، وهي الفريضة التي يتمنى كل مسلم أن يتمكن من أدائها وأن ينعم الله عليه بالصحة والرخاء كي يتمم هذا الأمر ويسهّل له، لأن الحرام الذي هو قبلة المسلمين في هذه الدنيا والتي جعلها الله البيت الآمن حيث قال سبحانه وتعالى {مَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً}. وتابع قائلاً: على المسلم أن يسعى إلى العمل الصالح من هذه الأيام العشرة من شهر ذي الحجة لأنها أفضل وأحب إلى الله تعالى منه في غيرها وفي ذلك تربية للنفس الإنسانية المسلمة على الاهتمام بهذه المناسبة السنوية التي لا تحصل في العام إلا مرّة واحدة وضرورة اغتنامها في عمل الطاعات القولية والفعلية لما فيها من فرص التقرّب إلى الله وتزويد النفس البشرية بالغذاء الروحي الذي يرفع من الجوانب المعنوية عند الإنسان فتعينه على مواجهة ظروف الحياة.
وأضاف قائلاً: ان هذه الأيام هي من خيرة أيام السنة والتي ينبغي علينا جميعاً أن نجعل أيامنا جميعها مثل هذه الأيام محفوفة بالإيمان الخالص والتذكير بالعمل الطيب وأداء الفرائض والتوجّه إلى الله بالخير تجاه النّاس وتجاه الأصدقاء والأقارب وذوي الأرحام، انها أيام معلومات يجب أن يستفيد منها كل مسلم ولا يقتصر عليها بل يجب أن يجعل أيامه كلها أيام خير وبركة وعبادة، ان أيام العشر الأوائل من ذي الحجة فرصة للإنسان المسلم بأن يبدأ صفحة جديدة مع الله فرصة لكسب الحسنات وفرصة لتجديد الشحن الإيماني في القلب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء»، وكيف لا يكون ذلك وهي أيام العشر أقسم الله بها في كتابه {وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ} انها أيام معلومات التي شرع الله فيها ذكره {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} انها العشر التي بها يوم عرفة، نرجو الله تعالى أن يسهّل على حجاجنا فريضتهم وأن يمكّنهم من أدائها بكل يسر وسهولة وينعم علينا كذلك بها ويغفر لنا ما تقدّم من ذنبنا وما تأخّر.
اللقيس
{ في حين قال إمام مدينة جبيل الشيخ غسان اللقيس: ان الحكمة من تخصيص عشر ذي الحجة بهذه الميزة اجتماع أمّهات العبادة فيها: الحج والصدقة والصيام والصلاة والذبح والذكر، ولا يتأتّى ذلك مجتمعاً في غيرها ثم انها من الأشهر الحُرُم التي حرّم الله تبارك وتعالى الظلم فيها فلا تظلموا فيهن أنفسكم، ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرّضوا لها»، فعطاء الله تعالى لا ينقطع عن عباده بين الحين والآخر تظهر مواسم الخير وتفتح أبواب الرحمات، انها حقاً تجلّيات مقرّبات يصيب بها من يشاء من عباده وذلك بتطهير القلب وتزكيته من الحقد والحسد والخبث والأخلاق المذمومة.. ان فضل الأيام العشر من شهر ذي الحجة قد جاء صريحاً في القرآن الكريم سمّاها بالأيام المعلومات لعظيم فضلها وشريف منزلتها، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فاكثروا فيهن من التكبير والتهليل والتحميد». كما ان فيها يوم التروية وهو يوم الثاني من ذي الحجة الذي تبدأ فيه أعمال الحج، وأن فيها يوماً عظيماً هو يوم عرفة، كما ان فيها ليلة جمع وهي ليلة المزدلفة التي يبيت فيها الحجاج ليلة العاشر من شهر ذي الحجة بعد دفعهم من عرفة. وختم قائلاً: من هنا يجب على المسلم أن يجتهد في هذه الأيام لأن شهر ذي الحجة من الأشهر الحُرُم، وعلى المسلم أن يكثر من التسبيح والتهليل والتحميد... انها ليالٍ عظيمة زاخرة بكثير من الدروس والمضامين التربوية التي يجب علينا أن نستفيد منها في كل جزئية من جزئيات حياتنا وأن نستلهمها في كل شأن من شؤونها.