بيروت - لبنان

24 آذار 2023 12:04ص صيام الأطفال في شهر رمضان المبارك: ما هي فوائده النفسية؟

حجم الخط
إن الصيام هو واجب ديني يُعتبَر من أهم فرائض الإسلام، و لكنه ايضاً  مدرسة نفسية متكاملة تتجدد فيها النفوس سنويا ليكون أعظم أثر له ناتج عن الإذعان لأمر الله.
  يبدأ صيام المسلمين مع بداية شهر رمضان المبارك  و يتزامن ايضا هذا العام مع صوم إخوتنا المسيحيين .
ونلاحظ أحياناً أن الكثير من الأطفال يطلبون مشاركة أهلهم في الصيام، بطبيعة الحال فالطفل يحب أن يقلّد والديه و يتماهى مع سلوكاتهم و مع من هم أكبر منه سنّاً ليظهر قوته وقدرته على التحمّل.
ونحن كأهل بشكل عام غالباً ما نرفض ذلك باعتبارنا ان صيام الاطفال قد يؤثر سلبًا على غذائهم و صحتهم الجسدية ، لنجد انفسنا نقول لطفلنا تقريباً العبارة نفسها : «لا، لا يمكنك أن تصوم فأنت ما زلت صغيراً» أو «لا بأس ان صمت و لكن الدواء لا يُفطر، السندويش عند الفطور الصباحي لا يُفطر»... وبحسب علم النفس فإنّ مقولات كهذه تُعتبَر سلوكات جدًا خاطئة يتوجب على الأهل تجنّبها تماماً.
فكيف علينا أن نتصرّف؟
أولا علينا اختيار العمر المناسب كي نبدأ بتعويد الطفل على مشاركتنا الصيام.
 فهو عندما يتخطى السبع سنوات يصبح قادراً أكثر على فهم فعل الصيام و اسبابه و ايضاً فوائده و لكن طبعاً لا نعني هنا الصيام الكامل بل المناسب لعمره و يمكننا هنا ان نسميه صياماً تمهيدياً ، كأن نقول له : 
١- صيام الاطفال مستحب الى حين موعد اذان الظهر او العصر (حسب عمره).
٢-ان الله يحبك و هو سيتقبل منك طاعتك كما يتقبل منا طاعتنا .
٣-انت قوي وستتمكن من ان تتحمل الجوع والعطش الى ان يحين موعد فطورك .
٤- ليس الصيام هو امتناعنا فقط عن الطعام و الشراب انما ايضاً عن السلوكات غير المحببة و يتوجب علينا حسن التعامل مع الاخرين وان نمتنع عن الكذب ايضاً.
٥-يمكنك ان تختار نوع واحد من طعامك المفضل وتمتنع عن تناوله لفترة محددة (هذا مناسب اكثر لطريقة صوم الاخوة المسيحيين فيمكن للاهل ان يطلبوا من الطفل الامتناع عن تناول السكاكر لمدة اقصاها ٣ ايام و ليس ٤٠ يوما كي لا يكره الطفل فكرة الصوم او ينفر منها لاعتبارها قاسية جدا ويمكنهم تمديد الفترة كل سنة طبعا هذا يعود كما ذكرنا لعمر الطفل ).
ثانياً،على الصعيد النفسي.. لماذا علينا أن ندرّب الطفل على الصيام في سن مبكر؟ 
من المعروف أنّ الصيام هو تعويد النفس على الصّبر وعلى تحمّل الجوع والعطش في سبيل طاعة الله، ولكن نفسياً فهو يسهم في تعويد الطفل على ما نسمّيه في علم النفس «مبدأ تأجيل الحاجات والرغبات» و اكتساب الطفل مفهوم «ليس الان».
فنحن كمعالجين نشخّص «الشخصية العصابية» بأنها شخصية واقعة تحت ضغط ما تفرضه عليها «الأنا الأعلى» (الممنوعات، المحرّمات، الدين، الأهل، المجتمع) مقابل ما تطلبه «الهو» وهي (الرغبات والحاجات) بينما «الشخصية الذهانية» فهي لا تعرف «مبدأ التأجيل» وكل ما تحسّه أو تشعر به أو ترغب في فعله، فهي تقوم به فوراً وتشبع حاجاتها مهما كانت وفي أي مكان أو زمان حتى لو في مكانٍ عام دون أي تفكير أو تأجيل..
و الصيام في علم النفس يمكننا طرحه تحت عنوان «التسامي sublimation «وهو آلية نفسية دفاعية او حيلة تحول الحاجات و الدوافع الجنسية إلى إنجازات «مفيدة اجتماعيًا» و بما اننا ذكرنا كلمة «حاجة»
فالطعام هو لاشباع حاجة الجوع و الصيام هنا سيكون بمثابة تسامي مفيد دينياً و نفسياً، لان ضبط شهوات البطن سيساعد الطفل على حل الكثير من الصراعات النفسية الاخرى في مراحل متقدمة من عمره  .
لذلك فإن التربية الوالدية يمكنها أن تستعين بالصيام لتعويد الطفل على مبدأ تأجيل الرغبات والحاجات و ضبط النفس عما ترغب به لينمو نفسياً بطريقة سليمة وصحية ولتتكوّن لديه شخصية سويّة، ولكن علينا أن نمتنع تماماً عن إستخدام الصيام كعقاب له أو إجباره عليه.
ثالثاً: ماذا لو رفض طفلي الصيام؟
١- يمكننا دائماً استخدام عبارات مفيدة تخدم ما طرحناه خصوصاً إذا ما شعر طفلنا بالجوع مثل (أعلم أنك الآن جائع ولكن أنت صائم لذا عليك الانتظار الى أن يحين موعد الطعام) أي الاذان أو الوقت المحدد للطفل من قبل الأهل، فبذلك يعلم هو الوقت المسموح به للطعام ويعتاد على الصبر لتحقيق حاجته في الوقت المناسب لها.
٢-علينا تشجيع الطفل من خلال اشراكه في تحضير الطعام الشهي الذي سيتناوله في الموعد المحدد 
و في تكرار عبارات مشجعة مثل : الله يحبك، انت قوي، انت قادراً على التحمل،انت صائم مثلنا .
٣-الامتناع عن اجبار الطفل على الصيام او تخويفه من عقاب الله بل يمكننا ان نمدح امامه اطفال اخرين يشاركون اهلهم الصيام و لكن طبعاً دون ان نقارنه معهم!
٤-اشراك الطفل في تزيين المنزل و غرفته بأبسط ما يمكن و لكن شرط ان يكون من وحي الشهر الفضيل لنشجعه بطريقة صحية ،كما يمكننا تشجيعه من خلال الاستيقاظ في منتصف الليل من اجل تناول السحور معاً و انتظار المسحر الذي يبث الفرح في نفوس الأطفال و يعزز عامل التشويق .
٥-البدء بفترة زمنية قصيرة لممارسة الصيام ، مثلا في الايام الاولى للساعة الثانية عشر ظهراً ومن بعدها نزيد الوقت تدريجياً .
٦-ثياب العيد و الهدايا الاجمل ستكون لمن سيحاول ان يصوم (نكرر هذه العبارة امام الطفل و ليس بشكل مباشر اي لا تكون موجهة له وحده والتركيز هنا على المحاولة وليس على الصوم نفسه لنشجع الطفل ونحفز جهازه العصبي والنفسي على عملية الضبط وعلى تحمل فكرة التأجيل ).
الهدف الرئيسي من كل ما ذكرناه هو الاستفادة مما انزله الله من فرائض في سن مبكر لانه سيسهم في تربية اطفالنا بشكل سليم وان نجعل منهم شخصيات سوية قادرة على تحمل مصاعب الحياة وانه سبحانه وتعالى قد وضع لنا في كتبه التي انزلها على رسله قانوناً واضحاً ونوراً يفيض من سراج واحد مهما اختلفت تسمياته..

(مختصّة نفسية)