بيروت - لبنان

اخر الأخبار

21 كانون الثاني 2022 12:00ص في حوار تناول ظاهرة الشعوذة وادّعاء النبوّة د. حداد: العتب الكبير على كل مسؤول ومرجع علِم بأمرهم... ولم يتحرّك..؟!

حجم الخط
ماذا يعني أن يظهر رجل مريض أو مختل أو مغرض فيدّعي النبوّة ويبدأ بنشر كلام يقول عنه أنها آيات توحى إليه..؟!

وماذا يعني أن تترك الساحة لمثل هؤلاء ليسرحوا ويمرحوا دون حسيب أو رقيب..؟

ثم لماذا أصبح لبنان بلدا لا يخرّج للناس إلا الفساد عند كل مناسبة ثم الإساءة للدين وللأخلاق والقيم..؟!

والأغرب من كل ما سبق.. لماذا رغم كثرة المشعوذين وظهور من يدّعي النبوة ويسيء إلى الأديان والشرائع لم تبادر أي مؤسسة أو مرجعية إلى التحرّك لفضح هذا الكذب وإيقاف انتشاره في مجتمع لا ينقصه المزيد من الكذب والفساد..؟!

ورغم المطالبات الكثيرة التي امتلأت بها مواقع التواصل الاجتماعي ونداءات الناس بأن يكون هناك تحرّك مؤسساتي وقضائي يمنع هذه الخزعبلات، للأسف لم نجد من المسؤولين من تحرّك فازداد الفساد فسادا.

حداد

الشيخ د. أسامة إبراهيم الحداد - المفتش العام للأوقاف الإسلامية في دار الفتوى وفي لقاء مع «اللواء» قال: الدجل آفة قديمة حديثة متعددة الأشكال والألوان، غالباً تكثر في زمن الفتن والفوضى وقلّة العلم والدين، فيظهر أشخاص يدّعون أنهم أنبياء ويتبعهم سخفاء الناس، وكثيراً ما يلتف حولهم عدد من الأشخاص التافهين الجهلة، وهذه علامة من علامات يوم القيامة، أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم  بقوله: « سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، ‌وَأَنَا ‌خَاتَمُ ‌النَّبِيِّينَ ‌لَا ‌نَبِيَّ ‌بَعْدِي».

وممن ظهر من هؤلاء الثلاثين مسيلمة الكذاب، فادّعى النبوة في آخر زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، وكثر أتباعه، وعظم شرّه على المسلمين حتى قضى عليه الصحابة في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه في معركة اليمامة المشهورة، وظهر كذلك الأسود العنسي في اليمن وادّعى النبوة، فقتله الصحابة قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم ، وظهرت سجاح وادّعت النبوة، وتزوجها مسيلمة ثم لما قُتل رجعت إلى الإسلام، وتنبّأ أيضاً طليحة بن خويلد الأسدي، ثم تاب ورجع إلى الإسلام وحسن إسلامه.

وظهر في العصر الحديث ميرزا أحمد القادياني بالهند وادّعى النبوة، وأنه المسيح المنتظر، وأن عيسى ليس بحي في السماء، إلى غير ذلك من الادّعاءات الباطلة، وصار له أتباع وأنصار، وتصدّى له كثير من العلماء، فردّوا عليه وبيّنوا أنه أحد الدجالين، ولا يزال خروج هؤلاء الكذابين واحداً بعد الآخر حتى يظهر آخرهم الأعور الدجال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « لَا تَقُومُ السَّاعَةُ ‌حَتَّى ‌يَخْرُجَ ‌ثَلَاثُونَ ‌كَذَّاباً، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ آخِرُهُمُ الْأَعْوَرُ الدَّجَّال».

وأضاف حداد: والعتب الكبير على كل مسؤول ومرجع علم بأمر الدجال الأخير وظهوره على وسائل التواصل، ومعه المدّعية بمعرفة الغيب تروّج له، ولم يتحرك ولم يحرك ساكناً لتوقيف هذا الدجال ومحاسبته وفق ما تنص عليه الأنظمة المرعية، وكذلك العتب كبير على وسائل الإعلام والتواصل التي تبرزه كظاهرة طبيعية دون استنكار، ومن هنا أتوجه الى وسائل الإعلام بأن يتقوا الله بما ينشرون، وأن يعلموا أن الدال على الفساد كفاعله، وكنا نأمل من كافة الوسائل الإعلامية أن تتجاهل هذا الدجال ولا تنشر ضلالاته، أو أن تتصدّى له بالتنبيه والتحذير والتأكيد على احترام مشاعر المسلمين والمسيحيين التي تتأذّى من كلام ذاك الدجال وصاحبته، كما أتوجه إلى مدّعي النبوة وإنقاذ البشرية أن ينقذ نفسه من الضلال والسخافات، وأن يعرض نفسه على مجموعة من أطباء الأمراض العقلية لتشخيص حالته ومعالجتها بما يناسب.

أنواع مختلفة من الدجل في بلادنا

وأضاف حداد: وبما أننا تحدثنا عن الدجالين فإن هناك أنواعا أخرى من الدجل لا تقلّ خطورة على مجتمعنا، منها:

1- الدجل في المسؤولية بإسناد الأمر إلى غير أهله: قال صلى الله عليه وسلم : «إِذَا تَوَسَّدَ الْأَمْرَ غَيْرُ أَهْلِهِ، ‌فَانْتَظِرِ ‌السَّاعَةَ» صحيح البخاري، وهذه حالة يئنّ لها ضمير الصادقين الذين يريدون مصلحة المجتمع، حين يشهدون رفعة أسافل الناس والفاشلين، ويتم تهميش الناجحين والمخلصين.

2- الدجل في المحاسبة واختلال المقاييس: لقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم  أن المقاييس تختل قبل قيام الساعة، فقال: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ ‌سَنَوَاتٌ ‌خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ»، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».

3- الدجل في المظاهر والخطابات: ورد في الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم : «يُقَالَ لِلرَّجُلِ مَا أجْلَدَهُ، وَمَا أظْرَفَهُ، وَمَا أعْقَلَهُ، ‌وَمَا ‌فِي ‌قَلْبِهِ ‌مِثْقَالُ ‌حَبَّةٍ ‌مِنْ ‌خَرْدَلٍ ‌مِنْ ‌إِيمَانٍ»، حتى أصبحنا نستمع إلى خطباء ظاهرهم يخالف باطنهم، يقولون ما لا يفعلون، ويأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم، ويُعجَب بهم جهلة الناس.

4- الدجل في الشهادات والألقاب العلمية وتزويرها: وهذا يندرج تحت شهادة الزور، التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم  بقوله: «إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعةِ: ... ظُهُورُ ‌شَهادَةِ ‌الزُّورِ ‌وَكتْمَانُ ‌شهادَةِ ‌الْحَقِّ»، يَقُولُ عَبْد اللهِ بْن مَسْعُودٍ رضي الله عنه: عُدِلَتْ ‌شَهَادَةُ ‌الزُّورِ بِالشِّرْكِ بِاللهِ، ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} ومثل ذلك التزوير في الفواتير والايصالات، وتزوير الحقائق لدفاع المتورط عن نفسه.

5- الدجل في علاقات الناس: حين نتأمل أسلوب التعامل المبني على المصلحة الذي تفشّى بين الناس ندرك معنى حديث ابن مسعود الذي رواه أحمد؛ حين قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ‌أَنْ ‌يُسَلِّمَ ‌الرَّجُلُ ‌عَلَى ‌الرَّجُلِ، ‌لَا ‌يُسَلِّمُ ‌عَلَيْهِ ‌إِلَّا ‌لِلْمَعْرِفَةِ»، فوقوع التناكر يكون عند انتشار الأنانية البغيضة، فتتلاشى القيم الأخلاقية وتتبدد الأخوّة تدريجيا كلما طغت الأهواء وحب الدنيا.

6- الدجل في المحاكمات: فيعاقب البريء ويسرح المجرم، وهذا ما أخبر عنه رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم  بقوله: «لَا تَقُومُ ‌السَّاعَةُ ‌حَتَّى ‌تَمْتَلِئَ ‌الْأَرْضُ ‌ظُلْماً وَعُدْوَاناً».

واختتم بالقول: أمام هذه المشاهد المؤلمة، نسأل الله تعالى أن يحمينا ويحمي أوطاننا من الدجل والدجالين، وأن يهيئ لنا مسؤولين صادقين مخلصين نشيطين، يعملون لخدمة المجتمع ورفعته، وأن يكرمنا بوسائل إعلام تنشر العلم والفضائل لا الجهل والرذائل، وما ذلك على الله بعزيز.