بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 آذار 2020 12:05ص في زمن الأزمات... الصبر بين الأزواج واجب

الدعاة: حققوا معنى المودّة والرحمة وتعاونوا... فهذا واجبكم ودوركم

حجم الخط
لا يُخفى على عاقل في زماننا السلبيات الكثيرة المترتبة على الضائقة المالية والأزمة الإقتصادية التي يُعاني منها لبنان بمختلف فئاته.

ولا شك أن المتضرر الأول هي الأسرة التي باتت تعاني معاناة كبيرة تفرض عليها تغييراً جذرياً في أنماط العيش التي تعوّدت عليها.

ولكن المشكلة ان عدداً من الأسر بدلاً من أن تتفق على ما يشبه خطة الطوارئ لإدارة هذه الأزمة للأسف دبّ الخلاف بين الرجل والمرأة وانتشرت المشاكل بل ووصلت في بعض الأحيان إلى مرحلة الطلاق..

ان على الزوجين في كل الظروف والأحوال أن لا ينسوا قول الله تعالى: {واصبروا إن الله مع الصابرين} فعليهم أن يتمسّكوا بالتكاتف والتعاون وليس بالإنفعال والتصرفات العشوائية، ففي الأزمات تتجلّى معاني المودّة والرحمة التي أمرنا بها المولى سبحانه وتعالى، فكيف ونحن في أزمة لم يسبق ان مرّت علينا بهذه الشدّة وهذا السوء.

من هذا المنطلق توجّهنا في هذا التحقيق لطرح هذا السؤال وكانت الإجابات الآتية:

د. مرعب

{ بداية قال المفتش العام المساعد للأوقاف الإسلامية الشيخ د. حسن مرعب: في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي نتعرّض لها في لبنان لا بدّ لنا من توجيه المجتمع على مستوى الفرد وعلى المستوى العام، وخصوصاً البيوت لأنه من هنا قد تبدأ المشكلة ومن هنا يكون الحل، ففي ظل هذه الأزمة لا بدّ أن تكون روح التعاون غالبة على الأسرة فيما بينها سواء بين الزوج والزوجة أو بين الأب وأبنائه وبناته، هذا التعاون لا بدّ أن يكون موجوداً بل ومثمراً لكي تستمر الحياة في ظل الظروف الراهنة، قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» فالمسؤولية عن الرعية سواء في البيت أو بالمجتمع هي مسؤولية متكاملة، فالأم راعية وهي مسؤولة عن رعيتها ألا وهي بيتها وأسرتها، والأب راعٍ وهو مسؤول عن رعية بيته وزوجته وأبنائه، وهذه المسؤولية مسؤولية مالية بالنسبة للأب، فهو مطالب أن يؤمّن ما تحتاجه أسرته بشكل يومي من مأكل ومشرب وملبس وما إلى ذلك من الاحتياجات اليومية والتي في أيامنا هذه قد فاقت ما سبق ذكره.

ففي ظل هذا الغلاء الفاحش والأزمة الاقتصادية التي أصابت أغنياء لبنان بالفقر لا بدّ من التحمّل والصبر والاقتصاد في المعيشة قدر الإمكان والنبي  صلى الله عليه وسلم قال «إخشوشنوا فان النعم لا تدوم».

وأضاف: وهنا الواجب على الزوج أن يسعى بكل امكانياته لتأمين مستلزمات الحياة لبيته وأبنائه، ولكن أيضاً على الزوجة أن تتحمّل وأن تكون إلى جانب زوجها من تدبير شؤون المنزل بأقل التكاليف الممكنة رحمة بزوجها، ورحمة بأسرتها فبالتالي عليها ان لا تكون دافعة له إلى الحرام والعياذ بالله، فلقد كانت نساء الصحابة الكرام تقف احداهن على باب منزلها فتقول لزوجها وهو خارج إلى عمله «نستحلفك بالله أن لا تطعمنا حراماً فاننا نصبر على شدّة الجوع في الدنيا ولا نصبر على النار يوم القيامة».

ولفت الشيخ مرعب انه في أيامنا هذه البعض من الأزواج قد يصيبه اليأس من كثرة متطلبات الحياة والواجبات التي عليه تجاه بيته ومجتمعه وقد يكون ضعيف الإيمان فيؤدّي به هذا الأمر إلى الانتحار والعياذ بالله، وهنا يكون دور المرأة الصالحة والزوجة الصالحة أن تكون صابرة محتسبة وأن تعين زوجها لكي يخرجا معاً من هذه الأزمة المستفحلة في مجتمعنا، فلا بدّ للشدائد أن تزول وكما قال الله عزّ وجلّ في كتابه: {ان مع العسر يسرا} والنبي  صلى الله عليه وسلم يقول بناء على هذه الآية «لن يغلب عسراً يسراً».

حمود

{ أما د. سهى حمود فقالت: ربما كانت بعض النساء في بلادنا مظلومة مهضومة الحقوق في نواح عدّة، نقرُّ بهذا، ولكن ليس هذا أبداً بسبب أوامر دين الله عزّ وجلّ ولا ضوابط إسلامها، وإنما بسبب جهل الكثيرات منهن أولاً، وجهل كثير من الرجال بمفاهيم الدين الإسلامي، وحقيقة أوامره وطبيعة ضوابطه، وبسبب سوء تصرف بعض الرجال لأوامر الله ومخالفته لها في أغلب الأحيان.

فالله عزّ وجلّ خلق المرأة لوظيفة كونية عظيمة، وهيّأها أعظم تهيئة، وإنما تتناغم المرأة مع الكون حين تعرف حقيقة وجودها، إعمار الكون بمراد الخالق، فلها وظيفتها الهائلة، كما للرجل وظيفته التي أوكله الله بها وهي رعايتهُ لمن جعلهم الله تحت يديه. وأفضلهما (من الرجل والمرأة) في النهاية أتقاهما، والتقوى فعل ما أمر الله واجتناب ما نهى الله عنه، فإذا ترك كل منهما أو أي منهما ما خُلِق له، وأراد أن يعيش كما يحلو له لا كما خلقه الله له، فسد نظام الكون، وعمَّ الشقاء أفراده، وجاءت التعاسة من حيث تظن السعادة، والعيشة الضنكى من حيث ابتُغيت حياة السعة والفسحة.

إن المرأة إنما تنال سعادتها بقدر ما تعرف ما مقصود الله منها، وبقدر ما تحقق من وظيفتها التي جبلها الله عليها لتتوافق مع فطرتها، وهذه الوظيفة لا تنجح المرأة فيها من غير صبر وتفانٍ وإتقان ومراقبة للّه وإخلاص...

وهذا ما فهمته وافدةُ النساء التي أتت النبي  صلى الله عليه وسلم - وهو بين أصحابه - فقالت: بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك، وأعلم نفسي - أي لك الفداء - أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنّا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فُضّلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل لله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربّينا لكم أولادكم (وكل هذه الأعمال بحاجة إلى صبر وجهد ومصابرة واصطبار، فكيف إذا كانت المرأة تعمل داخل الدار وخارجه) مما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟

فالتفت النبي  صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كلّه ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مساءلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يا رسول الله إما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا. فالتفت النبي  صلى الله عليه وسلم ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة وأعلمي مَن خلفك من النساء أن حُسن تَبَعُّل (حسن العشرة والمعاملة) إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته (بما يرضي الله) يعدِلٌ ذلك كلّه (أي يعدل حضور الجمعة والجماعات وعيادة المرضى وشهود الجنازة والحج بعد الحج والجهاد في سبيل الله وهذه كلها لم تُطلب من المرأة - من رحمة الله عليها - وإنما تُطلب من الرجل). فأدبرت المرأة وهي تهلّل وتكبّر استبشاراً.

فكيف بالمرأة اليوم التي تمسك بيد زوجها لتبني وإيّاه بيتها الزوجية، وتعينه على مصروف البيت، وتساعده في تعلّم أولادها، مع التخلّق بالأخلاق الحسنة والمعاملة الطيبة؟ أليست هي بطلة ومجاهدة في هذه الأيام الصعبة؟

ومن المؤكد أن حسن التبعّل والأعمال الصالحة التي ذكرتها وافدة النساء من الحمل وتدبير المنزل وحفظ المال وغزل الأثواب وتربية الأولاد بحاجة ماسّة إلى صبر وتصبّر واصطبار، فكيف ونحن نعيش في بلد تتخبّط فيه الثورات، وتتدنّى فيه المعيشة، وتكثر الأمراض والأوبئة، ويسرق مال الشعب... وتصبح الديون فوق كاهل الرجل والمرأة معاً..

... ألا يجب على المرأة أن تكون الكفّ الآخر الذي يصفّق فيه كف الرجل حتى يتعاونا معاً في مواجهة هذه الرياح العاتية! ألا يجب أن تكون نعم العون له على مصائب هذه الحياة، وعلى طاعة الله، ولا تكون عوناً للشيطان ضد زوجها؟؟

وأنصح المرأة أن تقرأ دائماً قول الله تعالى: {وإن كان ذو عسرة فنظرةٌ إلى ميسرة} فإن كان معسراً فارفقي به وسامحيه إن قصّر حتى يجعل الله لك وله فرجاً ومخرجاً.

وعلى الزوج أن يتقي الله في إنصاف زوجته ومؤانستها والتحدث إليها وإعطائها ما تيسّر من الوقت والمال، والحقوق التي أمره الله بها، وهذا أمر لازم به، والرسول  صلى الله عليه وسلم أمر بذلك فقال: «استوصوا بالنساء خيراً». فعلى الرجل أن يتقي الله ويقوم بواجب زوجته وأولاده حسب طاقته وإمكاناته، فإن قصَّر، أنصح المرأة بالعمل - ولو داخل بيتها - وبالاقتصاد، فيد الله مع الجماعة.

وأنصح المرأة أن لا تعجل في طلب الطلاب، ولتصبر ولتحتسب أمرها إلى الله، ولتحسن العشرة، فمَن سوّاك بنفسه ما ظلمك، وسيبشّرها الله بالأجر العظيم والخير العميم والعاقبة الحميدة، فالوقت الآن خطير، والشر أكثر، والخير أقل، اقتصادياً وأمنياً وسياسياً و... وأسألي الله له الهداية والتوفيق وأن يجعل الله الخير على أيديكما، وأن يغيّر الله الحال إلى أحسن منه، والله سبحانه هو الفعّال لما يريد وهو القائل {وبشّر الصابرين} و{إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}، و{يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}، وسيد المرسلين القائل: «ما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر». وإن ظُلمت فسأبشرك بأنه ما ظُلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزّاً.

وختاماً أنصح الأزواج بالرجوع إلى كتاب الله وسنّة نبيه  صلى الله عليه وسلم وبدراستهما وبتطبيق ما جاء فيهما، لأنه لا عذر لنا بجهل ديننا وأحكامه، وما هي واجباتنا والحقوق التي يجب أن نقدّمها حتى نصل جميعاً إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى.