بيروت - لبنان

اخر الأخبار

12 تشرين الثاني 2021 12:00ص في زمن الأزمات والمشاكل التي تُحيط بنا من كل جانب الدعاة: خطبة الجمعة للتواصل مع الناس

وعلى الخطيب أن يراعي هموم المصلّين

حجم الخط
تعتبر الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة وهدى ضرورة من ضرورات هذه الحياة وهي لا تقلّ أهمية عن حاجة الإنسان إلى الطعام والشراب.

وفي عصرنا الحديث كثُرت المشكلات والمستجدّات التي جعلت الحياة تأخذ صورة جديدة تختلف تمام الاختلاف عن صور الحياة في السابق، وبفعل التقدّم العلمي والتطوّر الحضاري استحدثت أنماط حياتية لم يعرفها أجدادنا وأسلافنا، فقد وصل الإنسان في عصرنا إلى الفضاء وأرسل سفنا تجوبه، وأقام المراكز الصناعية العملاقة وفتّت الذرّة، وطرأت علينا مشاكل كثيرة، ولذلك توسّع دور الدعاة والعلماء حتى أصبح دورا بارزا وأصيلا وضروريا في حياتنا العصرية.

ولما كان الاتصال المباشر بالناس ألصق بالخطباء من غيرهم، فقد أصبح من الضروري على الخطيب الاجتهاد في تحصيل العلم والإحاطة بظروف المجتمع الاجتماعية والتقنية والعلمية والصناعية والطبية والسياسية و.... وذلك كي يكون دائما على توافق فكري مع الذين يستمعون إلى دعوته.

فكيف هو واقع الخطبة في بلادنا اليوم، وما المطلوب حتى تكون أكثر تأثيرا؟

آراء مختلفة

{ السيد مروان شبيب قال: خطبة الجمعة يجب أن تكون من واقع الناس والأزمات التي يعيشون بها للتخفيف من مشاعرهم السلبية التي تؤثّر على النفوس أحيانا، لذلك أنا معجب بخطباء من الشباب أقصدهم بأي مسجد كانوا، سواء كان قريب للمنزل أو العمل أو بعيد عنهم، لأني أشعر بصراحة براحة نفسية كبيرة بعد الخطبة التي يتناولون فيها مشاكل الحياة بأسلوب مشوّق وسلس.

{ أما السيد عدنان صقال فقال: هناك الكثير من الخطباء لا تفهم من خطبهم سوى التمجيد لهذا الزعيم أو ذاك ولا يلتفتون إلى مشاكل الناس، لذلك في الكثير من الأحيان أتجنّب حضور هذه الخطب وأكتفي بالصلاة فقط، ولكن هناك نخبة من خطباء المساجد الجدد الذين يضفون روحهم الشبابية في أسلوبهم في خطبة الجمعة مما يجعلك تعيش حنيّة هذه الخطبة وتنسّيك جميع مشاكل الحياة، فبارك الله بهم.

القوزي

بداية قال رئيس دائرة المساجد في المديرية العامة للأوقاف الإسلامية الشيخ د. مازن القوزي: في عصرنا الحالي إضافة إلى الصفات الأساسية التي لا بد من توفّرها عند الخطيب لا بد من صفتين أساسيتين:

أولا: العلم بأحوال الناس: وهذه الصفة من أبرز الصفات لأنها تعطي الخطيب قدرة كبيرة على التواصل مع المسلمين من خلال خطبه، فالخطيب الذي يعيش بعيدا عن مشاكل الناس ويحيا في دنياه الخاصة أو في عالم منعزل عن محيطه لن يستطيع أن يوصل رسائله للمصلّين خاصة إذا كانت مواضيعه التي يتناولها في خطبه بعيدة عنهم ولا تتناسب مع اهتماماتهم ومشاكلهم وظروف حياتهم.

ثانيا: الواقعية: ونقصد بها ملائمة الحلول التي يقدّمها الخطيب لمشاكل الناس مع ظروف المجتمع الذي يعيشون فيه - الاقتصادية والاجتماعية والسياسية و... لأن من أبرز المشاكل التي يعاني منها المسلمون في عصرنا هو عدم تناسب ما يقوله الخطباء مع واقع المجتمع ومستجدات الحياة، بينما تاريخنا الإسلامي يخبرنا أن حلول الأزمات عبر الزمن كانت تقدّم بعد دراسة معمّقة لظروف وأحوال المسلمين.

وأضاف: نحن في المديرية العامة للأوقاف الإسلامية نسعى دوما لتأهيل الخطباء حتى يكونوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم، وهذا الأمر ينعكس إيجابيا بفضل الله تعالى، كما أننا نعمل بكل جهد حتى نرتقي بمستوى الخطباء ولا سيما الدعاة الجدد منهم، فنرسل لهم الاقتراحات ونتابع خطبهم حتى يكون التواصل بيننا مستمرا.

العرب

أما الشيخ حسن العرب، إمام وخطيب مسجد سبناي - بعبدا فقال أن الخطابة من أقدم وأنجح وسائل الإعلام في التواصل مع الجماهير، وضعها الإسلام في مكانها اللائق بها وجعلها من شعائر الإسلام الاسبوعية، إذ يؤمّ المسلمون المساجد كل أسبوع في تظاهرة روحية منعدمة النظير ليستمعوا من فوق منابرهم بكل خشوع لقول الحق وكلمة الصدق عن الإسلام وأحكامه وشرائعه وحلوله لمشاكل الحياة المستجدّة وقضايا العصر المستحدثة في دعوة إلى الله تعالى بالتي هي أحسن كما قال الله تعالى {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} مستهدفة جميع القلوب وتوحيد الصفوف واستثارة نوازع الخير الكامنة في نفوس الناس.

وتابع: دور خطيب الجمعة مهم وخطير، ويتطلّب ذلك من كل خطيب أن يعرف هذا الدور وأن يوليه ما يستحق من اهتمام وعناية لا سيما ان رحاب المساجد ومساحتها وساحاتها قد اكتظت بالوفود لأداء الصلاة بنفوس طاهرة ولسماع النصح والذكر، فهؤلاء منهم العامل البسيط وطالب العلم والتاجر والفلاح ومنهم المثقف الواعي والعالم المتبصر والأستاذ الجامعي والداعية المتحمّس والسياسي المنفتح ومنهم المسلم بالعاطفة الذي ما زال يبحث عما يقنعه بترسيخ إيمانه وتعميق الإسلام. فعلى من يتصدر لهذا الموقف الجليل أن يخاطب الجماهير بما يرضي الله فيهم على تباين مشاربهم وتغاير مركزهم وتفاوت مفاهيمهم، فيكون الخطيب يقظا حازما ذكيا مرنا واعيا بما يحيط به لا سيما ان العالم اليوم في تطوّر وتجدّد مستمر، والإسلام دين الرحمة واليسر واللطف بعباد الله وفيه من الشمولية ما يؤهّله ليكون صالحا لكل زمان ومكان ومن المرونة ما يؤهّله لمواجهة كل الظروف والأحوال.

وقال: من مهمات الخطيب أن يخاطب المصلين بأسلوب لطيف ولسان فصيح مبيّنا مناهج الدين وطرق الشريعة في المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات وحل المشكلات ويحسم به أن يحثّ الناس على المشاركة الإيجابية المسؤولة في جوانب الحياة حيث ستظهر تغيّرا إيجابيا في الحياة العامة، وكذلك على الخطيب أن يرفع همم المسلمين وأن يوجّههم إلى فعل الخير وأن يحثّهم على التمسّك بالأخلاق الحميدة بصورة محببة إلى النفس وأن يبتعد عن التيئيس أو تصوير الحياة بمنظار أسود متشائم، في الوقت الذي يحسم به أن يحذّر بين الحين والآخر مما يراه من سلوكيات خاطئة بحسن أدب وحلاوة لسان مع الترغيب والترهيب وهذه صفة النقد الهادف البنّاء بعيدا عن جلب الذات وعن الاتهام والتجريح والإساءة والصراخ، مركّزا على الخطأ لا على المخطئ كما قال تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر أولئك هم المفلحون}.

ومن واجب الخطيب أن تحاكي خطبته واقع الناس لإيجاد الحلول لمشكلاتهم على تنوّعها من اجتماعية واقتصادية وتربوية وأسرية، فعلى الخطيب أن يحاكي الواقع بأسلوبه لا أن تكون الخطبة والخطيب في مكان والناس في مكان آخر. وأن يكون اختيار الخطيب للعنوان الخطبة مناسبا وموفّقا وإلا كانت معظم الخطب إملاء الفراغ بما تراه سواء كان مناسبا أو غير مناسب.

مختتما بالقول انه لا بد من إصلاح واقع الخطبة والارتقاء بمستوى الوعاظ والخطباء والأئمة حتى نعيد لديننا إشراقه وليكون ديننا سمحا حنيفا.