بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 كانون الثاني 2022 12:00ص في ظل التمسّك بسعر الدولار المرتفع كذريعة عند التجار العلماء: التزموا بالحق والعدل ولا تسعوا للمكاسب على حساب الشعب المسكين

حجم الخط
مع كل أزمة اقتصادية تصيب البلاد ويعاني منها العباد في بلادنا، تظهر من بيننا فئة من الناس انتزعت مشاعر الرحمة والإحساس بالآخرين وأوجاعهم وظروفهم من قلوبهم وسيطر عليهم، وعمى قلوبهم الشجع والطمع ونهش لقمة الفقراء، بل وأصبح شغلهم الشاغل التفكير في استغلال الظروف السيئة ووضع السكين على رقبة المواطنين لتأمين أكبر قدر من المكاسب المالية.

وهذه الظاهرة برزت أكثر وأكثر في ظروف حياتنا الحالية، وفي أحوال غلاء المعيشة، حيث نرى التجار عند ارتفاع الدولار يتعللون ويتحججون فيتسابقون على رفع الأسعار تحت ستار غلاء الدولار...؟!

وإذا ما نزلت قيمته واستقرّ فترة عليها لا يحرّكون ساكنا ولا يخفّضون الأسعار وإنما يزداد بطلانهم عبر التمسّك بحجج وهمية وواهية ضحيته الأول المواطن الفقير والمسكين...

نعم... هؤلاء نزع الله الرحمة من قلوبهم.. وهؤلاء جنوا ثرواتهم من مال الفقراء..

فأي رحمة نحتاج إلى زرعها في نفوس هؤلاء حتى يكونوا رحماء بأهلهم في هذه الظروف؟

وأي إنسانية ورأفة يجب أن نتلمّسها من هؤلاء المحتكرين؟

البابا

بداية قال رئيس مركز الفاروق الإسلامي الشيخ أحمد البابا: في ظل ما نعاني من أزمات خانقة أودت بالناس إلى الخراب العظيم وإلى الانهيار الاقتصادي الكبير، نجد ان كثيراً من الناس وخصوصاً من فئة التجار لا يراعون أوضاع الناس ومعيشتهم، ولذلك نراهم اليوم ينقضون على النّاس المساكين ولا يرحمونهم.

فهؤلاء المظلومين والمستضعفين الذين أصبحوا اليوم لا حول لهم ولا قوة بسبب غياب المسؤولين الكلّي عن معالجة أوضاع النّاس وتخفيف معاناتهم، وعندما ترى ان الرحمة قد فقدت عند هؤلاء البشر الظالمين، نرى ان هذه الأزمة كشفت الوجه البشع عند بعض الشجعين من التجار والمحتكرين الذين ينهشون في ما بقي من لحوم المساكين، ولذلك لا بد من أن يكون هناك حساب كبير من الله عزّ وجلّ يصيب هؤلاء الطغاة التجار وسيجدون بعد ذلك من المواطنين انكفاءً كبيراً عن شراء احتياجاتهم بعد زوال هذه الأزمة.

وأضاف: وأما لهؤلاء الضعفاء من المواطنين الذين أنهكتهم هذه الأزمة الخانقة فأقول لهم ما قاله الله سبحانه وتعالى في سورة الطلاق {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً} فهي تبشّر بفرج يحمل لنا الأمل من الله سبحانه وتعالى، أما من العباد فلا أمل يرجى منهم ولكن الله سبحانه على نصر المظلومين لقدير.

واختتم قائلا: اننا نستهجن هذه الأفعال الرديئة التي تدلّ على الأخلاق المنحطة من الذين يستغلون هذه الظروف وخصوصاً التجار الذين يرفعون الأسعار بشكل جنوني عندما يصعد الدولار، ولكن عندما يكون هناك هبوطاً للدولار لا نراهم ينزّلون أسعارهم بالمقابل وهذا منتهى الرذيلة التي تستحكم بأفعال هؤلاء الفاسدين.

شعراوي

أما الشيخ د. خليل شعراوي، إمام وخطيب مسجد المكحل، فقال: 

بسم الله الرحمن الرحيم... آية ابتدأ الله بها كتابه، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرضي يرحمكم من في السماء» هذا الحديث يسمّى حديث الأولية، أي أنَّ المحدِّث أول ما يلقى على تلاميذه يبدأ بهذا الحديث، فالرحمة لا بد وأن تكون قبل كل شيء، فصفة الرحمة تدلّ على الرأفة والعطف والإحسان، لو ملأت في قلوب التجار في هذا الزمان ما كنت ترى ما يحدث من غلاء واستغلال للأزمات لتحقيق مكاسب على حساب هذا الشعب المسكين.

فالتاجر الرحيم بالناس الصادق الأمين له في الإسلام شأن عظيم فقد أعطاه الله الثواب الجزيل حيث قال صلى الله عليه وسلم: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصدّيقين والشهداء يوم القيامة»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم أجمعين يوما: «إن التجار هم الفجار، قيل: يا رسول الله أوليس قد أحل الله البيع؟ قال: بلى، ولكنَّهم يحدّثون فيكذبون، ويحلفون فيأثمون».

وأضاف: فمن هذا المنطلق يا أيها التجار، احذروا وارحموا الناس خاصة في أقواتهم، لأنَّ الجوع إذا عمّ قوماً فالهلاك للكل لا محالة؛ لأنَّ الجائع المحتاج لو كان في مجتمع الصحابة لسرق ليأكل ويكفي نفسه وعياله فكيف في مجتمعاتنا؟! وهذا ما حدث عام المجاعة في زمن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أوقف إقامة حد السرقة، وكتب إلى أحد عماله: ماذا تصنع إذا جاءك سارق؟ قال: أقطع يده، فقال عمر رضي الله عنه: فإذن إن جاءني جائع قطعت يدك.

يا أيها التجار إن لم تكن في قلوبكم رحمة فالهلاك سيبدأ بكم أولاً لأن عيون الناس متوجهة إليكم، ونحن في زمان قلّ فيه الدين وكذا الأخلاق، وفيما مضى كانوا يقولون التاجر (تاؤه تقوى... وألفه أمانة... وجيمه جرأة... وراؤه رأفة ورحمة)، هكذا التاجر ينبغي أن يكون تقي أمين جريء رحيم.

واختتم مخاطبا التجار: يا تجار البلد حصّنوا أنفسكم وتجاراتكم بالزكاة والصدقات والنفقات وإعانة الملهوف وارحموا الناس، لأنَّ الناس إن لم تجد ما تأكل فستأكلكم، وإن لم يجدوا ما يلبسون فستمزق ما أنت عليه لتلبس، وإن لم يجدوا ما يركبون فلا أدري ماذا سيفعلون، فالحذار الحذار من عذابكم في الدنيا قبل الآخرة، ولكم فيمن سبقكم عبرة وعظة.