بيروت - لبنان

اخر الأخبار

2 أيلول 2020 12:00ص في ظل فلكلورية بغيضة تتزعم الموقف: تعدّدت الاجتماعات واللقاءات... والتعطيل واحد..؟!

حجم الخط
تستفزني كثيرا تلك «الصنمية التقليدية» التي نصرّ عليها في خضم التحديات التي تعصف بوطننا والتي لا تقدّم للبلاد ولا للعباد أي شيء سوى التراجع الفكري والاجتماعي والثقافي والوطني.

صنمية تقليدية انعكست آثارها على كل مناحي الحياة حتى أصبحنا أسرى لها ولسلبياتها..

ومع مرور الأيام باتت هذه النمطية فلكلورا معتمدة في كافة أمورنا...

فكلماتنا فلكلورية..

وخطبنا فلكلورية..

واجتماعاتنا فلكلورية...

ومؤتمراتنا فلكلورية...

تفاعلنا مع يوميات الحياة فلكلوريا...

بل حتى تفاعلنا مع كتاب الله تعالى ومع سنّة النبي  صلى الله عليه وسلم فلكلوري الطبع والفهم والتطبيق..؟!

حتى أصبحنا أسيادا... في «إصدار البيانات».. و«نشر عبارات التنديد والاستنكارات».. وإطلاق «جميل الشعارات».. ثم.. لا شيء على أرض الواقع..؟!

فمتى سنعلم أن المعطيات تطوّرت، وأن المستحدثات من الأمور في كل المجالات تريد حلولا تناسب مع حالها ومكانها وبيئتها وظروفها، وفق ثوابت القرآن الكريم والسنّة النبوية الشريفة..؟!

دين العطاء

إنني حين أقرأ قول الله تعالى {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينا} أدرك إدراكا يقينيا أن الإسلام دين لكل زمان ولكل مكان، وأي أي تقصير في إظهار هذه الحقيقة الناصعة إنما هي من صنع البشر الذين عجزوا عن عرض الدين بصورته الأصيلة التي تبني حضارة وتصنع مجتمعات ناجحة قادرة على القيادة...

فالقرآن كتاب معطاء يقدّم لكل أهل عصر ما يحتاجون إليه بشرط أن يحسنوا التدبّر والتفكير والتفاعل معه، ولا يصلح أبدا لقوم.. فقط استنسخوا تفاعل الآخرين ليلتزموا به هم في واقعهم، لأن كل عصر له خصائصه وله مميّزاته وله صفاته التي ربما لا تتناسب مع عصر وزمان المستنسخين...؟! وبالتالي سيكون هذا العمل إساءة لصورة الدين في أذهان من يعايشه وستكون النتيجة الحتمية.. التنفير العام..؟!

فالقرآن الكريم يخاطب المسلمين جميعا فيقول لهم {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} في إشارة واضحة أن لكل قوم في زمانهم دورا لا بد أن يؤدّونهم، وهذا الدور عليه أن يكون ثابتا على الأصول الإسلامية وفي الوقت عينه متناسبا مع العصر والأحوال التي طرأت على المجتمع.

و«اعملوا» أيها السادة «غير العاملين».. ليست كلمة وردت في آية مباركة لتتلى فحسب.. بل هي منهج حياة فكري واجتماعي واقتصادي وصناعي وعلمي وتربوي وأسري و... يضمن للمسلمين النجاح الدائم والتفوّق المستمر، وأي ابتعاد عن حقيقة العمل بهذه الكلمة هو ابتعاد عن ساحة التواجد الحضاري للأمة في عالم اليوم..

ومن هنا وردت نصوص كثيرة تحذّر من مفسدة التكاسل عن العمل الحقيقي لتتحدث عن هؤلاء البشر الذين منحهم المولى تعالى أدوات التفوّق والعمل والتقدّم فإذا بهم قد رفضوا استخدامها وعطّلوا ملكاتها وأهدروا طاقاتها هباء فقال عزّ وجلّ: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}..

نعم... فنحن اليوم نمتلك كل تلك أدوات التي تصنع الحضارة... ولكننا أوقفنا العمل بها وأبينا حسن استخدامها ثم رددنا بلسان كذب لنعلل لأنفسنا ما نحن فيه... نقتبس من السابقين ما فعلوا ونفعل مثلهم... فعطّلنا قلوبنا عن حسن التوكل، وأعيننا عن النظر في ملكوت الله والتفاعل معه، وآذاننا عن سماع نداء الله بالعمل والفلاح والاجتهاد فجاءت النتائج كارثية زادت تراجعنا تراجعا...؟!

والأسوأ... أننا حوّلنا هذا «التعطيل الحضاري» إلى مقررات في مؤتمراتنا، وإلى توصيات في لقاءاتنا، وإلى نتائج مباحثات كثيرة تعقد هنا وهناك، ومهما تعددت أوصاف الاجتماعات.. فالتعطيل واحد...؟!

التفاعل مع الواقع

حين يفتح أحدنا كتب السنّة النبوية يقرأ أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن، قال : «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال: أقضي بكتاب الله، قال: «فإن لم تجد في كتاب الله..؟» قال: فبسنّة رسول الله  صلى الله عليه وسلم، قال: «فإن لم تجد في سنة رسول الله؟» قال: أجتهد رأيي ولا آلو... فضرب رسول الله  صلى الله عليه وسلم صدره وقال: «الحمد للّه الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله».

هذا النص.. يصرخ في وجوهنا جميعا أن اعملوا مع واقعكم، واختلطوا مع ناسكم، ناقشوا همومهم وقضاياهم، وقدّموا لهم العلاجات التي تقضي على المشاكل قضاء جذريا.. وليس مجرد الكلام والبيانات الورقية..؟!

نص.. يطالب كل مسلم مهما كانت مسؤوليته أن يقوم بدوره التنموي في سبيل رفعة الأمة وأهلها، وفي سبيل مساعدة الناس ليكونوا قادرين على تحقيق الصلة الحقيقية مع ديننا العظيم..

كما إنه حديث نبوي يهزّ وجدان وفكر كل عاقل ليعلن بأن هذا الدين إنما هو دين الحق الذي جعله المولى تعالى عملا لا قولا ناصرا للمظلومين ومساعدا للمحتاجين ومعلما للجاهلين ورحيما بالمستضعفين وآويا للمشرّدين ومدافعا عن المقهورين ومنظما لحياة العالمين حتى يشعر الجميع بعظمته.

إن أي أمر نعانيه أو سنعانيه في مجتمعنا قدّم الإسلام لنا حلا واقعيا وناجحا له...

فأين كل ما سبق... من تلك الأفعال والقرارات والكلمات والمؤتمرات الفلكلورية التي يدور روّادها في بلادنا «كابن بطوطة» ولا نرى لها أي أثر عملاني ولا فعلي ولا تغييري ولا إصلاحي على أرض الواقع..؟!

إننا نطالب وبأعلى صوت... بالبدء الفوري بعملية تنقية لمنظومة «الفكر والعمل» لتكون كما أرادها الله تعالى في خدمة الناس ووفق أصول الدين الحنيف، فنحن نحتاج إلى إصلاح تلك المنظومة من الأخطاء المتراكمة التي بدأت فصول تشويهها منذ زمن بعيد وللأسف لا زالت مستمرة، مما تسبب بجهلنا وبُعدنا وتعطيلنا لكل قيم عمارة الأرض فكريا وثقافيا وعلميا وحضاريا. إن الإسلام أشمل وأعمّ وأوسع وأعدل بتعاليمه السامية من تلك الأفهام الغليظة التي أدمنت التطبيقات المشوّهة والمغلوطة... فهو يريد من الجميع ودون إستثناء أن يعملوا وأن يفكروا وأن يساهموا كجماعة وكأفراد في عملية تطوّر البشرية بشكل عام، وهذا العمل يتطلب علما صحيحا وبيئة سليمة وعائلات سعيدة مستقرة ودعوة واعية وخطبا مؤثرة وإحسانا فعّالا ومتابعة دقيقة ومراقبة حاسمة وانفتاحا علميا وفقهيا يرعى «نعمة» الاختلاف في الفهم وصولا إلى «فضيلة» الاجتهاد المشرق والبناء الذي يجعل عيشنا وعبادتنا على بيّنة من الأمر لا على جهل مع سبق الإصرار والترصّد...!؟

أيها السادة الأفاضل... إن الدين أمانة في أعناقنا تطالبنا بالتجديد والاجتهاد وترك «فلكلورية الفكر والعمل».. كخطوة أولى تخرج بنا من هذا النفق المظلم الذي أدخلنا أنفسنا فيه، وتدحض تلك الادعاءات الزائفة بالتعصب والتخلّف والرجعية التي تلقى في وجه كل ما له علاقة بالإسلام... فبالله عليكم هل هكذا يكون تحمّل الأمانات...؟!

bahaasalam@yahoo.com