بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 كانون الأول 2018 12:03ص قبّة العشرة (8) قباب خشبية وحديدية فوق الأسبلة والأحواض

حجم الخط
في التنزيل «وجعلنا من الماء كل شيء حيّ» وفي الحديث «الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار» وقد تجلت هذه الشراكة في الأسبلة التي اقامها أهل الخير للسابلة. وفيما عرفته الشعوب من دور للماء في شعائرها فهو للطهارة والوضوء عند المسلمين وهو للعمادة عند المسيحيين وهو للتغطيس في الكنيس عند اليهود، وفي الاغتسال بالنهر لدى الصابئة والهنود.
تكون سقوف الأسبلة من الخشب او الحجر أو الحديد والخشب هو الغالب كما في الأسبلة العثمانية ماعدا سبيلين استخدم الحجر في تسقيفهما وشوهد مثله في السبيل الأحمر بالقاهرة اذ جعل المعمار بوسط السبيل دعامة حجرية تنتهي في قمتها بأربعة عقود نصف دائرية تعتمد على الجدران الجانبية في أكتاف علوية تقام فيما بينها مناطق انتقال على شكل مثلثات لأربع قباب ضحلة . وقد وجد طراز التسقيف بالقباب الضحلة في أسبلة العصر المملوكي .ويحتوي سبيل المؤمنين بالقاهرة ايضاً على سقف من ست قباب أربعاً على مثلثات كروية واثنتين عن قبوين متقاطعين. وأضيف للسبيل مسطبة حجرية مرتفعة بدرجة أو أكثر. 
وليس غريباً أن يخصّ بعض البيارتة من صدقاتهم نفقات تقديم بعض دوارق من ماء زمزم للحجاج. وأن يعمد البعض الآخر الى تسبيل آبار أراضيهم. ففي 8 محرم 1098 هـ/1686م وقف الحاج مصطفى القصار حانوتاً على مصالح البركة الكائنة في سوق الصبّانة. وفي 27 صفر الخير 1272 هـ /1855م وقف الحاج محمد سوبرة زوج شقيقة الشيخ محمد الحوت داره وأرضه المفروزة من بستان بني الحوت على زوجته وبناته ووقف بئر الماء النابع فيها المبني بالمؤن والأحجار وسبّله لمن أراد أن يملي منه لا يعارضه معارض ، موصياً بأن يؤخذ 150 غرشاً كل سنة من اجرة نصف الفرن الذي يملكه في سوق القطن الى صالح البئر من ترميم وثمن حبال ودلاء وتعزيل.


قبة حجرية فوق بئر الخضر وقبة حديدية فوق سبيلي السراج والمصلى 
غفل من كتب في تاريخ بيروت – كعادته– في بيان عمارة طراز الأسبلة  فيها. وما عرف ما ذكره دارفيو من ان قبة حجرية صغيرة أنشئت فوق بئر جامع الخضر. يذكر ان قبة بشكل قفص حديدي وضعت فوق بركة السوق أو بركة السراج ووضعت قبة مثلها فوق بركة مقبرة المصلـــى.وذكر بعض المخضرمين جرن الدركاه وهو جرن كبير يستمد مياهه بقناة من حوض الكراوية التي كان في شارع بشارة الخوري ويستمد هذا الاخير مياهه من ينابيع رأس النبع.
قبة خشبية فوق بركة الجامع العمري 
وفرت مساجد بيروت الماء لوضوء المصلين  وقد ضمت بعض المساجد أحواضاً كبيرة.
يذكر أن صحن الجامع العمري الكبير كان يتضمن بركة مضلعة الجدران كانت اعدت   للوضوء أقيمت فوقها سنة 1229 هـ/1813 /14م قبة من الخشب مرصنة مرصفة لتقي الماء والمتوضئين من البرد والحر أرخها المفتي الشيخ عبد اللطيف فتح الله:
يا حسنَ قبة بركةٍ قد أنشئت
من فوقها تسمو ونعم المنشأُ
فكأنها قصرٌ مشيد قد سما
والماء تحت ظلاله يتفيّأ
تحميه من برد ومن حرّ فلا
                 شمس بضمن خلاله تتلألأ
فتوضأوا فالماء أصبح قائلاً
             يا فوزَ من أرّخت بي يتوضأُ
وبعد توسيع سوق الفشخة الذي سمي بالشارع الجديد (واليوم شارع ويغان) فتح الباب الشمالي للجامع وأزيلت البركة وبنيت ميضأة جديدة. وقال النابلسي سنة 1700 م في الرحلة الطرابلسية «وقد رأينا في بلدة بيروت المحمية زوايا كثيرة وجوامع وحمامات منها زاوية تسمى بزاوية ابن الحمرا يقام فيها الذكر والأوراد وبها حفاظ تقرأ وهي متسعة فيها إيوان به محراب كبير  وفيها بركة ماء بجانبها بئر يستخرج منه ماء غزير  ويصب في تلك البركة حتى تقول: 
              امتلأ الحوض وقال قطني 
                                       مهلاً فقد ملأت بطني 
وقال في كلامه على الجامع الكبير «وفي جانبه بركة ماء طويلة كبيرة». وقال في جامع الامير منذر «وفي فناء هذا الجامع بركة ماء كبيرة مثمنة» وقال في جامع السراي «وفي فناء هذا الجامع بركة ماء غزيرة».
أشهر أسبلة بيروت وأقدمها  
ومن أشهر الأسبلة ما أنشيء بجوار بيت الأوزاعي وزاوية ابن عراق.  يذكران السلطان سليم الاول دخل دمشق في اول رمضان 922هـ أثناء وجود محمد بن عراق فيها. وذلك قبل انتقال هذا الاخير الى بيروت وذيوع شهرته، وأرادت السلطة العثمانية الجديدة تكريمه وتكريم الأوزاعي  فأنشأت سبيلاً للزاويتين. نقل داود كنعان سنة 1871م في مجلة الجنان نص تأريخ انشاء السبيل كما يلي «بسم الله الرحمن الرحيم. أنشأ هذا السبيل المبارك برسم الزاوية العمرية المعروفة بزاوية سيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلامة الشيخ عبد الرحمن الأوزاعي نفعنا الله ببركته. أنشأه لوجه الله تعالى احد العمدة الشريفة من المرحوم مولانا السلطان سليم خان تغمده الله برحمته. أنشأه اضعف العباد سليمان الصوباشي والكاتب ببيروت تقبل الله بإشارة الفقير اليه تعالى المستمد المدد من الشيخ الإمام العلامة الشيخ محمد بن عراق تغمده الله برحمته ونفعنا ببركته. وعمّر هذا السبيل بإشارة الفقير اليه الجليل الشريف الشيخ عبد الرحيم المرابط بثغر بيروت تقبل الله ونفعنا ببركاته بتاريخ الثامن شهر ذي القعدة الحرام سنة 935 الموافق 14 تموز 1529 مسيحية». (والصوباشي تركية مركبة من صو الماء وباشي الرئيس اطلقت في العهد العثماني على وظيفة عسكرية تقابل مدير الشرطة وكانت تعني ضابط البلدة المعين من قبل السلطان  ويلفظها البعض شوباصي). ولم يعد للسبيل المذكور من أثر ولا كلف أحد نفسه  بحفظ لوحة التأريخ مع البقية الباقية من الآثار الإسلامية البيروتية، لا قبل إنشاء مديرية الاوقاف ولا بعد ذلك. 
يذكر  ان  ناعورة اكتشفت سنة  1223هـ/ 1809م سميت «عين العافوص» سبّلت ناس سعى في بنيانها عبد الله ابن الحاج عمر الناطور كما جاء في التاريخ الذي نظمه المفتي الشيخ عبد اللطيف فتح الله وقال فيه: 
يا حسن عين من زلال ماؤها
                منها حلا للواردين الشربُ    وبعين عافوصٍ تسمت واغتدت
               فيها لبانيها يسر القلب
يجزيه ربّي منه خير الجزا
                ويناله منه الرضا والقرب
هذي وقد حفّت بتاريخ سما
                  عينٌ بها ماء معين عذب
وذكر الشيخ عبد اللطيف فتح الله ان التاجرالحاج محمد السّراج اوصى بكل ماله لكونه لا وارث له بعد الذي اوصى به للفقراء والمساكين، ان يعمر ويرمم ويصلح طريق قناة بيروت وان يعمر له بركة ويوقف لها دكان وذلك أواخر سنة 1234هـ/1819م  فبوشر في السنة التالية بعمار القناة وترميمها وعمرت البركة في ساحة التتن في سوق قيسارية الأمير منصور فنظم فتح الله  تأريخا ليوضع فوق طالع البركة تجاه القناة فقال: 
          يا حسنها خيرية اوصى بها 
                                           حتى له بالخير ربي يختمُ 
          أوصى بها السّراج وهو محمد 
                                         لا زال في روض الجنان ينعم
          يا شاربون يحق أن تدعوا له 
                                         أرّخ بها وعليه ان تترحموا.
ويبدو مما ذكر أن محمد السراج كان تاجراً ولم يتبين له ورثة ووقف أمواله كلها مما قد يفسر بأنه كان غريباً عن بيروت. 
وأنشأ حسين آغا أمين ديوان جمرك بيروت سنة 1226هـ/ 1821م سبيلاً في الفسحة المعروفة بساحة مبيع الحنطة وكان بناء السبيل مثمن الدار والماء خارج من ثمانية أنابيب فأرخه نقولا الترك: 
أنابيب الزلال لعذب فاضت          فرُدها أيها الظمآن فورا
وصل اوفى دعاء مستديماً         لإحسان الحسين وكن شكورا
همامُ في سبيل الله انشىء         سبيلاً فيه قد غنم الأجورا
فأرّخ جاء بنوا كرام قوم           سقاهم ربهم كأساً طهورا 
كما أرّخه أيضاً:
رُد سبيل الله وادعُ                  للحسين ودم شكورا
آية الرحمن أرّخ                     اقبست منشيه نورا
رب ساداتٍ سقاهم                   ربهم كأساً طهورا
وأجرى حسين أبو ديّة سنة 1280 هـ /1863م سبيل ماء أرخه اليازجي:
أجرى أبو الدية الخياطُ مكرمةً
                               سبيل  ماء عليه  الأجر مقصودُ
يا منهلاً قال بالتأريخ ناهله
                              من شيمة الحسنِ الإحسانُ والجودُ
وقد بنيت برك في كثير من حدائق بيوت البيارتة حتى ان المحلة القريبة من كنيسة الروم سميت ببركة المطران . يذكر ان سعيد ابن الحاج احمد المكداشي وقف في 17 شعبان 1249هـ /1834م عدة عقارات كان من ضمنها «جلّ السنديانة الكائن في بستان البرك الستين» (القنطاري) وجلّ البئر المجاور ملك زوجتي الحاج مصطفى دندن حافظة وخديجة». ولم نجد تفسيراً لسبب تسمية هذه البرك بالستين؟ 
وقد اطلعنا على صورة قديمة لمبنى حجري مثمن يصعد اليه بدرجة أو اثنتين قريباً من سور بيروت الغربي نرجح أن يكون (سبيل حسين آغا) أو ما عرف بسبيل السنطية الذي جرى الخلاف حول وقفه مع جمعية المقاصد. 
يذكر أن شركة مياه بيروت العثمانية بعد وصول مياه نهر الكلب الى بيروت أنشأت عدة أحواض منها حوض الدحديلة في الأشرفية وحوض المحافر (حوض الولاية) وحاووز الساعاتية (رأس بيروت). وانتشرت الأسبلة في مختلف أنحاء المدينة وهي عبارة عن حنية بجدار واجهته لوح مزخرف فوقه اسم بانيه او لمن بني عن روحه وفي الجدار حنفية تستمد ماءها من خزان خلفه وحفر اعلاه الآية «وجعلنا من الماء كل شيء حيّ». أو الآية «وسقاهم ربهم شراباً طهورا» . 
 *محامٍ ومؤرخ