بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 أيلول 2023 12:00ص اليوم الأول في المدرسة …ثاني انفصال مؤلم يعيشه الطفل في حياته!

حجم الخط
في البداية وقبل ان ندخل في صلب موضوع مقالنا اليوم لا بد ان نعود قليلاً بالزمن الى الوراء،و بما أننا نقول عن الدخول الاول للطفل الى المدرسة  أنّه «ثاني انفصال» فهنا تلقائيا سيدرك قارئي العزيز انه هنالك «انفصال أول»لا بد ان نُفسِّر ما يمكن ان يعيشه طفلنا من مشاعر وغُربة خلال يومه الاول في عالم مقلق ومريب بالنسبة اليه (المدرسة)؟
إن أول انفصال مؤلم يعيشه الطفل هو انفصاله عن البيئة الرحمية،و هذا ما نسميه في علم النفس بـِ «صدمة الولادة» فبعد تسعة اشهر من الهدوء والسكينة واعتياد الجنين على هذا المحيط الضيق فجأة يجد نفسه يُدفَع بقوة نحو الخارج دون سابق إنذار وبمعنى أدق هو يشعر بأنّه يُطرَد من عالمه الصغير..و هنا نحن امام احتمالات كبيرة لطريقة خروجه من حيث «طريقة السحب»سواء ان كانت الولادة طبيعة أم قيصرية فكلتاهما تندرج تحت عنوان كبير وهو الصدمة!
اذا اردنا ان نعرّف الصدمة فهي حدث مفاجئ لا يعرف العقل كيف يتصرف حياله لانه لم يكن حدوثه مُتَوقّع.. وبعد هذه الصدمة الاولى وخروج الطفل الى عالمنا يبدأ بممارسة «الحداد الاولي» والشخص الوحيد القادر على تخفيف آلامه وتمكينه من فهم حقيقة الوجود هي آلام ولكي نفهم أكثر صلب موضوعنا اي يومه الاول في المدرسة لا يمكننا ان نغفل عن مصطلحين اساسيين في بداية حياة الطفل وهما «الالتحام» و«الانفصال».
{ المصطلح الاول: يشير الى اعتقاد الطفل انه هو وأمه شخصا واحداً ولا فرق بينهما،أما المصطلح الثاني يشير الى الحدث وهنا يبدأ دور الام من خلال تعاملها معه ومع جسده الناعم دون محاولتها كما نقول في التحليل النفسي «ابتلاع الطفل لاعادته الى رحمها» اي من خلال الالتصاق به دائماً والاسراع في حمله ومعانقته عند البكاء فهذا ما سيجعل الطفل:
١-شخصية اتكالية وغير قادرة على تأجيل الرغبات.
٢-شخصية لا تتحمل مبدأ الخسارة وعاجزة عن تحويل صورة الشخص من واقعية الى ذهنية.
ولنبسط المفهوم اكثر فإن بقاء الام طوال الوقت الى جانب طفلها في اشهره الاولى سيجعل منه شخصية تعيش الحداد بطريقة مرضية اذا ما خسرت أحد بسبب وفاته مثلاً
لانه وبعد خسارته الكبرى للرحم سيكون تعلقه المبالغ به بأمه ممارسة للحداد على الرحم.لذا المطلوب هنا من الام ان تتواجد مع طفلها ولكن ليس بشكل مبالغ به وذلك من خلال:
١-منحه الحنان والاهتمام اللازم 
٢-التعامل مع جسده بنعومة 
٣-عند البكاء لا مانع من تركه ينتظر قليلاً
٤-التواجد معه في المنزل ولكن ليس من الضروري في نفس الغرفة،اعني تحديدا اثناء انشغال الام في المطبخ مثلا عليها ان تمتنع عن اصطحابه واياها في كرسيّه الخاص ووضعه امامها بل يجب ان تتركه جانب التلفاز مثلاً وهنا سيعتاد الطفل ان امه موجودة ولكن ليست معه وسيتدرب على تحويل وجودها واقعيا الى صورة ذهنية وهذا ما سيجنّبه الحداد المرضي لاحقاً.
و بالعودة الى صلب مشكلتنا في مقالنا هذا،فإن اليوم الاول للطفل في المدرسة وانسلاخه عن البيئة المنزلية فجأة بات واضحاً أنه ثاني انفصال يعيشه بعد اول انفصال أي الانسلاخ الاول عن البيئة الرحمية لذلك:
أولاً: اليوم الاول للطفل في المدرسة مؤلم لانه يذكره بذلك الانفصال الاول ويعيد اليه مشاعر الغربة والقلق من جديد.
ويظن الطفل انه يُطرَد وللمرة الثانية من محيطه الآمن خصوصاً اذا:
١-استخدم الاهل مصطلح المدرسة لتهديده وتخويفه.
٢-لم يتم التمهيد له حول لماذا يذهب الاطفال الى المدرسة.
٣-لم يتم اي انفصال بينه وبين والدته منذ ولادته وعاشا الالتحام (اي بات يعتقد انهما شخصاً واحداً).
ثانيا: قد تظهر علامات القلق من المدرسة على طفلك من خلال «أعراض نفسـ جسدية» و منها:
-آلام في البطن 
-اضطرابات في المعدة وغثيان
-ارتفاع الحرارة
-اضطرابات في النوم
ثالثاً: من البيئة الرحمية الى البيئة المنزلية ومن ثم الى المجتمع الكبير..
علاقة متينة تربط بين الطرد من الرحم (مساحته الصغيرة) ومن بعدها اجبار الطفل على ترك المنزل (مساحة متوسطة) للذهاب الى محيط اكبر الذي هو المدرسة والاخيرة تجهزه للتأقلم في مساحة اكبر منها بكثير أي المجتمع..و لمواجهة هذا المجتمع على الاهل والمربين مضاعفة الجهود للعمل على اعداد فرد سليم ومعافى نفسيّاً .
رابعاً: ما يتوجب على الاهل والمربين فعله؟
١-كما ذكرنا اعلاه،ان معالجة صدمة الولادة تتوقف على جهود الام في جعل طفلها يفهم ان كل واحد منهما هو «كيان» منفصل تماماً عن الاخر.
٢-ان مرحلة المدرسة تبدأ بين عمر الثالثة والرابعة ولكن هنالك مرحلة تسبقها وهي المرحلة القبل مدرسية، اي على الاهل القبول بفكرة دور الحضانة بأنها مرحلة تمهيدية للمدرسة  فهي افضل بكثير من ايداع الطفل عند جدته او اقاربه لان المربين في دور الحضانة متخصصين في تنمية هذا الطفل من كافة الجوانب وتدرّب الطفل على الانفصال الجيد والايجابي عن اهله خصوصاً عندما يفهم ان الوالدين يذهبا الى العمل وهو ايضا الى دار الحضانة وفي وقت الظهيرة سيعود الجميع الى المنزل.
٣-ايضاً ذكرت اعلاه انه على الاهل ان يمتنعوا تماماً عن استغلال فكرة الذهاب الى المدرسة كعقاب او لاخافة الطفل وتهديده.
٤-تحضير الطفل نفسياً قبل بدء العام الدراسي بشهر تقريباً من خلال شراء الحقيبة التي يفضلها والقرطاسية الخاصة به والتحدث معه عن ايجابيات التعليم وتكوين الصداقات.
٥-على ادارات المدارس ان تقوم بدعوة التلاميذ واهلهم قبل بداية العام الدراسي الى المدرسة واقامة مثل حفل تعارف لكسر الجليد بين الطفل وفكرة المدرسة التي ستكون مرعبة بالنسبة له في البداية.
٦-على ادارات المدارس ان تسمح للاهل بمرافقة الطفل لمدة اسبوع وحضور الصف معه في بعض الحصص على ان يبقى الوالدين متواجدين خارج حجرة الصف فهذا ما سيخفف كثيراً من مخاوف الطفل انهما تركاه ولن يعودا.
٧-على المعلمين استقبال الاطفال بالرقص والموسيقى وان تبقى وجوههم مبتسمة مع تفهم حالة الهلع التي تصيب معظم الاطفال في الصف.
{ خامساً: شهر أيلول خير مثال على ما نقول ..
بما أننا بدأنا بشهر ايلول فمعظمنا يتغير مزاجه مع اقتراب فصل الخريف مهما كانت اعمارنا..فإن هذا الشهر يذكرنا باختبار اليوم الاول في المدرسة ولكن السبب الحقيقي وراء حزننا العابر هذا هو تذكرنا للانفصال الاول الذي اختبرناه جميعاً..
باختصار قرائي الاعزاء، جميعنا عشنا تلك اللحظات وذرفنا الكثير من الدموع امام باب المدرسة وداخل حجرة الصف لان الاجيال السابقة كانت تعتقد ان التعليم يكون افضل بالقسوة والصراخ والتلقين ولكن مع التطور اليوم وزيادة نسبة الوعي حول الصحة النفسية ومسؤولية المدرسة تجاهها بات من الضروري ان تكون كافة المدارس على دراية تامة بخلق جو نفسي ايجابي لتتمم رسالتها ودائماً لا ننسى ان التربية تسبق التعليم…

(مختصة نفسية)