بيروت - لبنان

اخر الأخبار

25 آب 2021 12:01ص ارتفاع أجرة النقل تعرقل سير العمل في آلاف المؤسسات

حجم الخط
في سائر المشكلات الاقتصادية، قرارات الدولة في وادٍ والمعطيات العملية والاقتصادية في وادٍ. والمثل الصارخ قرار رفع سعر صفيحة البنزين الى ١٥٠ ألف ليرة كمقدمة لرفعه الى أكثر من ضعف هذا السعر في أيلول المقبل، واستنادا الى عناصر محض نقدية منها عدم توافر الاحتياطيات الكافية للدعم، ودون أي دراسة تفصيلية أو حتى عمومية حول مدى ارتباط القرار بالعناصر العديدة الأخرى من اقتصادية واجتماعية وسواها ومدى تأثيره وتداعياته على سير الحياة اليومية للأفراد وللمؤسسات لا سيما المتوسطة والصغيرة التي يتوقع أن ترفع راية الهزيمة البيضاء أمام القرار الذي كما سائر قرارات الدولة يهرب الى النار من الرمضاء، في حل مشكلات صغيرة بخلق مشكلات أكبر!

وبداية إذا كان هدف الدولة من تحرير سعر البنزين عبر وقف الدعم، الالتزام المبكر بشروط صندوق الدولي، فأن الخطأ الفادح هو أن هذه الشروط لا يطالب بها الصندوق إلا من ضمن إصلاحات مالية ونقدية وإدارية وهيكلية مرتبطة بها، وليس كما يحصل الآن بصورة منفردة دون أي إصلاحات وفي القفز فوق معطيات يؤدي تجاهلها الى كوارث منها وقف عجلة جزء كبير من الاقتصاد كما يستدل من احصاءات ومعطيات تجاهلتها الدولة بقرار عشوائي واعتباطي في ظل حكومة «اختصاصيين» عذرهم الدائم انهم حكومة تصريف أعمال، وكأنما تصريف الأعمال لا يعني انه ليس هناك أي تصريف وأي أعمال، بل جلوس وزراء مكتوفي الأيدي في غرفة مقفلة ملصق على بابها عبارة «حكومة مستقيلة»!

التداعيات

وأما الاحصاءات التي تكشف عن تداعيات وتأثيرات القرار على عجلة الاقتصاد، فهي أن ما يقارب ٩٠% من المؤسسات في لبنان هي صغرى ومتوسطة، متوسط الأجر الشهري في الصغرى مليون ليرة، وفي المتوسطة، مليون ونصف المليون ليرة. ومع ارتفاع أجرة النقل (السرفيس) الى ١٥ ألف ليرة في ظل صفيحة الـ١٥٠ ألف ليرة، وفي أيلول المقبل الى ٣٠ ألف ليرة في ظل صفيحة الـ٣٠٠ ألف ليرة، كيف يمكن عندها لموظف وعامل في مؤسسة صغرى أو متوسطة أجره الشهري يتراوح بين مليون ونصف مليون ليرة أن يدفع أجرة نقل يومي ذهابا وإيابا ٣٠ ألف ليرة + ٣٠ ألف ليرة أي ٦٠ ألف ليرة عن ٢٨ يوم عمل بما يساوي مليون و٦٠٠ ألف ليرة شهريا هي أكثر من متوسط الأجر الشهري في هذه المؤسسات التي تشكّل ما يقارب ٩٠% من مجموع عدد المؤسسات في لبنان والتي أقفل منها حتى الآن عشرات الآلاف من صناعية وزراعية وتجارية وخدماتية، وحتى قبل صدور قرار رفع سعر النقل الذي جاء ارتجالا ودون أي إصلاحات تخفف من تداعياته، فكيف يمكن بعد القرار «الجنوني»، لأكثر من مليون موظف وعامل الانتقال الى عملهم ودون خطة شاملة لتطوير النقل العام ما زالت مدفونة في غياهب الدولة أو تخصيص صفائح مجانية على العاجزين عن مواجهة الزيادة، أو أي دعم آخر بديل من أي نوع، بإستثناء بطاقة تمويل ما زالت بحاجة الى... تمويل!!

أما بشان دعوة الهيئات الاقتصادية مؤسسات القطاع الخاص الى إعطاء موظفيها وعمالها بدل نقل ٢٤٠٠٠ ليرة يوميا، أي ٦٧٢٠٠٠ ليرة شهريا لكل موظف وعامل فان هذه الدعوة تفترض أولا: أن كل مؤسسة صغرى قادرة على زيادة هذا البدل لكل موظف وعامل على أعبائها الحالية وباستمرار. ثانيا: ان هذا البدل سيتضاعف الى مليون و٣٤٤٠٠٠ ليرة لكل موظف وعامل بعد أيلول المقبل عندما يصبح سعر صفيحة البنزين أكثر من ٣٠٠ ألف ليرة وستكون المؤسسات لا سيما الصغرى منها أكثر عجزا عن تحمّل هذا العبء باستمرار في ظل المحنة المالية والاقتصادية المرهقة. وثالثا: ان هذا البدل الذي يكاد يصلح لأجرة «السرفيس» للمسافات القريبة يفترض ان مقر سكن كل العاملين في المؤسسات الصغرى والمتوسطة هو في أمكنة قريبة من مكان العمل، في ان عددا كبيرا من هؤلاء يسكن في أمكنة بعيدة أو بعيدة جدا من مكان العمل، وبالتالي فإن البدل المناسب لهذه الشرائح الكبرى سيكون عندها ٢ مليون و٦٨٨ ألف ليرة لكل موظف وعامل في مؤسسة صغرى أو متوسطة توازي وحدها تقريبا ٤ أضعاف الحد الأدنى الحالي للأجور. ورابعا وليس أخيرا: ان هذا البدل هو الجزء الأصغر من مجموع مطالب الاتحادات العمالية التي تشمل زيادات في الأجور وفي العديد من المكتسبات الإضافية المحقة للقوى العاملة والتي تضعها كلها على القطاع الخاص دولة سلب ونهب وهدر انسحبت كليا من شبكة الأمان الاجتماعي التي هي في الدول الواعية والعادلة والمتقدمة، المسؤولية الأساسية للقطاع العام.