بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 شباط 2021 07:06ص الدمج المصرفي.. المهم السيولة والملاءة وليس حجم الرأسمال

حجم الخط
تتسارع الإجراءات لفرز المصارف في لبنان بحيث تبقى القادرة على زيادة رأسمالها ٢٠% وتخرج المصارف غير القادرة من السوق إلى عهدة مصرف لبنان لدمج بعضها ببعض أو بمصارف أخرى.
وفي الوقت الذي يرى البعض إيجابيات لهذه العملية من ضمن الخطة الحكومية لإعادة هيكلة النظام المصرفي، والإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي كشرط لمفاوضات الحصول على القروض، هناك بالمقابل تحفظات أهمها أن حجم المصرف أو الرأسمال ليس دليل القوة والمتانة والمناعة  والسيولة والملاءة وإنما العلاقة بين حجم الودائع والإلتزامات وحجم التسليفات والضمانات. والدليل أن Lehman Brothers Bank أحد أكبر مصارف العالم بموجودات ٦٨٠ مليار دولار «لقي حتفه» تحت محدلة الأزمة المالية العالمية ٢٠٠٧- ٢٠٠٨ فيما بقيت مصارف متوسطة الحجم وصغيرة بل وصغيرة جدا في العديد من بلدان العالم. وعلى سبيل المثال فان المصرفي الألماني الشهير الدكتور جاليمار شاخت بعد أن ترك منصبه كمحافظ للبنك المركزي الألماني قبل الفترة النازية ووزير الاقتصاد خلال تلك الفترة أسس في المنطقة التي أقام فيها مصرفا صغيرا على اسمه استمر عشرات السنين وباعه عندما تقاعد واعتزل المهنة. بل أنه خلال عملي المصرفي في بريطانيا الستينيات أذكر ان كان هناك ما يسمّى بـ «البنك العائم» عبارة عن مصرف بحري في سفينة كاملة التجهيز مصرفيا تتنقل في المناطق البحرية البعيدة عن العاصمة وتقدم لأبناء تلك المناطق من مزارعين وحرفيين وطلاب وموظفين وعائلات القروض وتحسم السندات وتفتح الاعتمادت وتقوم بالتحويلات في زيارات دورية منتظمة. والمصارف الصغرى ومنها ما يسمى بـ community banks ما زالت موجودة وفاعلة منها آلاف المصارف في الولايات المتحدة وبعضها برأسمال لا يزيد عن ٥ ملايين دولار. كما ان التجربة دلّت أن بلدانا لديها عدد محدود جدا من المصارف وأفلس بعضها.
وبلد مثل النمسا عدد سكانها أكثر بقليل من عدد سكان لبنان (٨ ملايين نسمة) لديها ٥٠٣ مصارف ونسبة الافلاسات أو التعثرات فيها أقل من بلدان عدد مصارفها أقل من العدد في النمسا. وفيما يعتبر البعض أن الـ٥٠ مصرفا تجاريا عدد كبير بالنسبة للبنان (الباقي حوالي ١٤ مصارف أعمال أو ذات طابع إسلامي) فإن ايرلندا بسكانها الـ٤ ملايين نسمة لديها ٣٢٨ مصرفا، وفنلندا بسكانها الـ٥ ملايين نسمة  لديها ٢٤٧ مصرفا والنروج بسكانها الأقل بـ٣٥% من عدد سكان لبنان لديها أكثر من ضعف عدد المصارف في لبنان.
وإذا كان من ضمن خصائص لبنان انه بلد مصارف، وقد عرف يوما بأنه «مصرف العرب» و«سويسرا الشرق» فان سويسرا بعدد سكانها الأكثر بقليل من عدد سكان لبنان (٨ ملايين نسمة) لديها ٢٥٢ مصرفا. فما الذي عدا مما بدا كي نعتمد في لبنان كمعيار القوة حجم الرأسمال بدل حجم السيولة والملاءة بالمقارنة مع حجم التسليفات والالتزامات وهو الأهم. بل هو المعيار السليم لبلد صغير بمساحته وعدد سكانه الأفضل أن يتعايش فيه عدد صغير من مصارف كبرى قوية مع عدد مناسب وملاءم لتكوينه وطبيعة أهله وسكانه، من مصارف متوسطة وصغرى قوية وذات مناعة. والتجربة من بلد مصارف وخدمات مالية مثل لوكسومبورغ التي عدد سكانها أقل من ١٠% من عدد سكان لبنان (٦٢٢ ألف نسمة فقط) لديها ضعف عدد مصارف لبنان (١٣٣ مصرفا مقابل أقل من ٥٠ مصرفا في لبنان) وألمانيا بعدد بسكانها الـ٨٣ مليون نسمة ولكن بـ١٦٠٠ مصرف أي بحوالي ٢٠ مصرفا لكل مليون نسمة مقابل نسبة ١٠ مصارف لكل مليون نسمة في لبنان. دليلا ان العدد الأقل من المصارف ليس دائما أو بالضرورة القاعدة الصحيحة والخيار السليم الذي يفترض أن يتحدد بعد دراسة معمقة للعديد من المعطيات، لا يكفي أن تقتصر على مجرد ظرف طارئ - على أهميته وضرورته - هو «تجميع» ٤ مليارات دولار (لا تكفي على أي حال لسد فجوة مالية بـ١٠ أضعاف هذا الرقم  وبـ٢٠ ضعفا حسب تقديرات الورقة الحكومية ٨٣ مليار دولار) في قرار  قد تكون سلبياته أكبر من ايجابيته لا سيما أنه قد يؤدي - كما حصل في العديد من القطاعات - الى ترك الساحة لمصارف كبرى قد تتحول الى «تروستات» تفرض شروطها ومعاييرها في ضوء أرباحها ومصالحها وبما يخالف حتى في قوانين ما يسمى «قلعة الاقتصاد الحر» في الولايات المتحدة، المانعة  للاندماجات التي تحد من توسع المنافسة والمكافحة للتكتلات التي تتسبب بالاحتكارات (قوانين Sherman و Clayton وسواها) وعكس حال لبنان حيث العبارة المختصرة عن قصد في دستور لبنان تكرس بشكل مقدس مبدأ  «حرية الاقتصاد» دون أن يرافقها أي اشارة أو تلميح عن «حرية المنافسة» ومنع الاحتكارات إلا «لرفع العتب» و»ابقاء العجب» بقوانين فرعية وشكلية تخرق كل يوم ولا من يسائل ويحاسب أو يعاقب.