بيروت - لبنان

اخر الأخبار

11 أيلول 2023 12:00ص بين عصر الحطب وعصر الغاز طار الكيان

حجم الخط
في عصر ما بعد الاستقلال عشنا حتى 1958 في عهد ‏بطلي الاستقلال رياض وبشارة بنعيم وَهْم العصر الذهبي ‏ذروته كانت بُرْهة النمر، فتى العروبة الأغر، ثم بعد ذلك ‏عشنا عصراً ذهبياً مصطنعاً بقيادة الجنرال فؤاد وخليفته ‏شارل حتى 1976 ومن بعده قفزنا من العصر الذهبي ‏الوهمي ثم الاصطناعي إلى عصر الحطب والبارود حيث أشعلت ‏النيران بالبلد على يد مقاومتين، مقاومة داخلية مؤازرة من ‏حليفين جارين ومقاومة وافدة مسانّدة من قوى داخلية. ‏فعشنا في عصر الحطب هذا بزعامة ياسر وبشير حتى ‏عام 1982 وانتقلنا إلى عصر النار تحت الرماد، عصر ما ‏بعد الطائف مع تشغيل آليات التبريد من العام 1989 حتى ‏عام 2005 بفضل المرحوم الشهيد رفيق فتعطلت ورش التبريد بعد غيابه فعدنا إلى عصر ‏ساخن لكن بلا لهب في ظل مقاومة في الداخل تحمل ‏السلاح لغير الداخل ومقاومة على البارد لا تحمل السلاح ‏ولكن تنكر على الأولى حق حمله. أنَّ كانت الذريعة. ‏تراوحت الأجواء في البلد بين البرودة والسخونة إلى أن ظهرت ‏في الأجواء عوامل إنفجار جديدة تطيح فترة المراوحة ‏وكادت تطيح الهيكل بأسره تحت تأثير حركة مقاومة ‏تجاوزت الحدود الثنائية التقليدية عام 2019، حركة مقاومة ‏شعبية شاملة من الداخل. انتقلنا من بعد هذا التاريخ ‏وأصبحنا نعيش إلى هذه الأيام الأخيرة في ‏ظل أوضاع تطغى عليها عوامل نيران كورونا ونيران ‏تشبيحات القطاع المصرفي واستقالة الدولة من مهامها ‏على كل المستويات، وغزتنا المافيات من كل حدب وصوب حتى كدنا نصل إلى ما يشبه العصر ‏الحجري الذي يهددنا به العدو، علماً أن لا حاجة لذلك فأعوانه في الداخل من كل لون  قاموا بالواجب.  فنحن ‏قاب قوسين أو أدنى من دخوله. ‏
ومقاومتنا الموجهة للخارج حصراً تقف حائرة بين عدوين خارجي وداخلي كلاهما ‏لا يتركان مخرجاً لها ولشعبها سوى مصير العصر ‏الحجري بعيداً من أي انتصار‎.‎
كشعب وكأجيال من أي طائفة كنا ولا نريد أن نقول ‏كمواطنين لأنكم الأسياد في البلد والقابضين على أعناق رعاياهم ينكرون علينا حق التمتع بهذه الصفة، ما الذي يجب أن ‏نستخلصه من هذا الذي وصلنا إليه وهؤلاء الأسياد (الأباطرة الصغار) يتربعون هانئين على كراسيِّهم الآن في الحكم وكان مغتصبوها أيضاً في مراحل سابقة من كانوا في الحكم ويشبهونهم ‏وممن ورثوا هم عنهم الدفة. فلا مجال للتنصل من أفعال من سبقوهم على ‏الكراسي التي يشغلونها اليوم وقول «ما خصنا». هم في ‏سدة المسؤولية. وقبل أن يقولوا لنا ما هي برامجهم ‏لتخليصنا من هذا الوضع، ولن نقول منهم بالذات، نطالبهم ‏بإفادتنا عن تشخيصهم لهذه الحالة التي أوصلونا إليها ‏ومن هم المسؤول وحذارِ التلطي وراء الطليان. وأفادتنا كيف أنهم كحكام يعيشون ‏هم وحاشياتهم عيشة بلدان لا أحد منها يعيش مثيلاً لها، ‏وكيف أن البلد الذي تولوا المسؤولية فيه عن مقدراته هو ‏الآن في الحضيض. هناك شيء غير طبيعي. ولا أحد منهم ‏يسأل. «شو هيك الدنيا فلتانة؟» هل هذه التربية التي نشأوا على نهجها في ‏بيوتهم ومؤسساتهم وطوائفهم؟ أم يظنون أنفسهم أسياد هذه البلاد ‏يملكون الأرض ومن عليها؟ ليختشوا استحوا أمام ‏أنصارهم وأمام أمهاتهم وأمام زوجاتهم وأمام أولادهم ‏وأمام كل من يقابلوهم في ما يسمونه مساعي للخروج من ‏الهوة التي أوقعونا فيها، وهُم لسوا فيها على الإطلاق. إذا طلب ‏منهم على سبيل المثال في نهاية محاضرتهم أمام جمع من طلبة ‏جامعات في أميركا أو أوروبا أن يقولوا لهم ما في جعبهم من حلول لبلدهم المنهار والرازح تحت أتون كارثة تحرق ماضي وحاضر ومستقبل كيانه. لن يجدوا، ولأنهم أعجز من أن يقنعوا أحداً ‏من الحضور، الساذج كما سيقولون، الذي يسأل كيف يمكن أن يكون بلدهم في مثل هذه الحالة ‏وعندهم طاقم من المليارديرية تحسدهم عليهم أغنى الدول ‏في العالم؟ ربما قالوا في قرارة أنفسهم إنه سؤال مدسوس ‏من الصهاينة.‏ عفواً فاتتني الفكرة.
الدعاء بنجاح حفريات استكشاف ثرواتنا المقبلة تعويضاً عن تلك المهدورة والمنهوبة بعد منهبة العصر أطلقت الدولة المنهارة صفارة إيذان العمل بشتى أشكال تقمص السلطة والنفوذ للقضاء على «الثور الذي ذبح على غفلة يوم ذبح الثور الأبيض». والثور في حديثنا هو الكيان وأهله. والذبّاحون هم الزعماء على اختلاف فئاتهم وانتماءاتهم، دينويين ودنيويين، وأداتهم الدولة بكل أجهزتها. فبات الكيان جثة (ذبيحة) مطلوب سلخها وتوزيعها قطعاً للطامعين «الهفيانين» من أعلى الهرم إلى أسفله: ألا وهم الزعماء والرؤساء الكبار مع المصرفيين الذين أَذِنوا بالذبح ثم سلخ الذبيحة بتعاميم مصرفهم المركزي وبالتعتيم على ما قام به حاكمه، الأسبق ومن خلفه. حجزوا الأموال وهربوها، ثم جمعوا ما أمكن من خلال منصة صيرفة ووكالات نقل الأموال وتحويلها ووكالات الصرافة. وفي موازاة هذه المرحلة وهذا الجانب من توزع مهام تقطيع الذبيحة خصّ هؤلاء وحاشياتهم أنفسهم باللحم الأحمر، أي «الهبرة». وتركوا للجياع و«الهفيانين» من تابعياتهم ومحميِّيهم، وهم كثر، ما تبقى من الجثة. القائمة تطول ونذكر منهم: منتجي الكهرباء (الشركة - والمولدات- وورش الطاقة الشمسية)؛ موزعي المياه (شركة المياه الصهاريج - أصحاب الينابيع والآبار - ومنتجي وبائعي المرطبات والسقايين-على حواجز الحدود الداخلية - حرام عوضاً عن الشحادة)؛ المستشفيات؛ مستوردي الأدوية ومصنِّعي بعضها محلياً والصيدليات؛ مستوردي الأغذية على أنواعها وتجارها؛ ومحتكري المحروقات، وإلى ما هنالك من أوكار عصابات. وهؤلاء جميعاً تهافتوا على جَرْم الجثة بالتشبيح والهبش والهبج والنهش واللهط وقطّعوها وتوزعوا أجزاءها من شحم وقلب وفشة وطحال وكلى وكبد ونخاغ وكرشة وعظام ومصران وسلاسل وجلد وجلاميق إلى ما هنالك من أجزاء. وصُفّيت الجثة، واستحال الكيان في خبر كان، تحت شعار محاربة الفساد واعتُبِرنا بعد التخلص من كل الثروات الملوِّثة منتصرين طالما استعضنا عن كسب المعركة ضد الفساد بفوزنا بثروات نظيفة - طاقة غازية ونفطية – تُمن علينا من الإحتكاراتت العالمية الكبرى، وعقبال الطاقة النووية. والانتصار الأكبر المرتقب سيكون بعد الحصول على جزء من مردود حقول الثروة النفطية-الغازية. إذ بعد الحصاد سيصبح شغلنا الشاغل حماية المورد، دونما حاجة لأي عمل آخر نرتزق منه، كما ستصبح حاجتنا مقتصرة بالتأكيد على محاسبين لإحصاء المردود وجرده وتوزيعه، والحاجة إلى مشغلي آلة الحماية (السلاح) أيضاً ممن تسوِّل له نفسه السطو على المورد الثمين، أي حمايته من أطماع العدو.
رأينا اليوم في الصورة المنشورة ابتسامة مهندسَيْ الانتصار وإدارة الحقل ومحاسبَيه، فرسان سنوات تصفية الكيان وثرواته الملوِّثة والملوَّثة البالية، وهم أنفسهم مجدداً يؤتمنون مع شركاء أُخُر على ثروات المستقبل. هذا هو موضوع الحوار الذي يتداعون إليه الأفرقاء، بعد فوزهم بالصفح عما ارتكبوه من جريمة إطاحة كيان عمره 100 عام ونيّف كلفته حيوات 4 أجيال ممن حملوا هوية لبنانية. مدموغة بالأرزة.
ندعو الله في عليائه الذي منَّ علينا بالانتصار العظيم هذا، أن يمدنا بالقدرة على مقاومة أطماع أفرقاء جدد بعد أن غفونا وعفونا عمن أطاحوا الكيان (الهيكل الأول) البالي، سلخوه وقطّعوه وتوزعوا ما أمكنهم إلى ذلك سبيلاً فاستحال من العصر الحجري قبل الأوان الذي هددنا العدو بحلوله إنْ!!!.
ولعل الاكتشافات المتوقعة حول ثروات بديلة تجعلنا نقفز بما سنجنيه من أموال طائلة من المورد الجديد إلى امتلاك الطاقة النووية. فيتحقق حينئذٍ الانتصار الحقيقي الأكبر على العدو ونعيد بناء كيان يليق بما نملك من طاقة وموارد حديثة عصرية متقدمة. آمين.