بيروت - لبنان

اخر الأخبار

10 حزيران 2021 06:10ص تحتجز الودائع ولا تعطي القروض وإسمها مصارف!!

حجم الخط
بين أهم الأسئلة التي تطرح اليوم، ما الذي بقي من مقومات وأدوات لدى مصارف لبنان كي تبقى لها صفة المؤسسات المصرفية وشروط العمل المصرفي المتعارف عليه في العالم؟

والجواب على السؤال يبقى في دائرة الحيرة وعدم اليقين انطلاقا من ان أهم صفات وشروط ومقومات المصارف أن تتلقى الودائع سواء «لأجل» أم «تحت الطلب» وأن تعطي القروض والكفالات وتقدّم التسهيلات وتفتح الاعتمادات وتقوم بمختلف الخدمات المالية التي تؤدّيها عادة المؤسسات المصرفية العالمية.

في حين ان الجزء الأكبر من هذه الأعمال والخدمات لم تعد تؤدّيها مصارف لبنان لا سيما في ما يتعلق بتلقي الودائع وإعطاء القروض وهي العمليات التي لها الدور الرئيسي في تنمية الاقتصاد وتحقيق الواردات للقطاع العام والموارد والفرص للقطاع الخاص.

ويمكن الدلالة بالقدر نفسه على وضع مصرف لبنان الذي لم يعد يملك من الأدوات المالية التي لا بد لأي مصرف مركزي في العالم أن يتملكها كي يلعب أدواره الرئيسية في السوق المالية وفي طليعتها استخدام سلاح رفع أو خفض سعر الفائدة بما يضمن إما تنشيط الاقتصاد أو لجم التضخم، إضافة الى تجميع احتياطيات نقدية لديه من العملات الأجنبية تمكنه من الدخول شاريا أم بائعا من هذه العملات بما يؤدي الى التوازن المطلوب في سعر صرف العملة الوطنية وبحيث يتحرك هذا السعر صعودا أم هبوطا ضمن هوامش ضيقة يحافظ في إطارها على نوع من الاستقرار النقدي الذي هو الهدف الثالث من أي سياسة نقدية لأي مصرف مركزي الى جانب الهدفين الأساسيين: تحقيق معدلات نمو اقتصادي مستدام والحد من البطالة.

ومن نظرة الى أوضاع مصرف لبنان اليوم يستدل انه أمام توقف دفق الودائع وتوقف التسليفات لم يعد يجدي استخدام الفائدة إلا في العلاقة بينه وبين المصارف وأما استخدامها كسلاح في السوق المالية سواء لتنشيط الاقتصاد أم للجم التضخم فهذا لم يعد ممكنا أمام توقف المصارف عن تقديم القروض والتسهيلات للقطاع الخاص.

ويضاف الى هذه العوائق تراجع الثقة العامة بالمصارف بسبب مشكلة الودائع وبالدولة اللبنانية بسبب امتناعها عن تسديد «اليوروبوندز» وارتفاع المديونية العامة الى أرقام قياسية غير مسبوقة في تاريخ لبنان.

وعلى سبيل المثال بالمقارنة بين عدم توافر الأدوات المالية لدى مصرف لبنان، وبين ما يجري من أحداث مالية ونقدية استثنائية في تركيا اليوم، حيث تراجع سعر صرف الليرة التركية الى أدنى مستوى له على الإطلاق مسجلا يوم الأربعاء الماضي 8,6266 ليرة مقابل الدولار، يلاحظ ان السلاح الأكبر لدى البنك المركزي التركي في مواجهة الحدث هو معدل الفائدة التي يمكن إذا عمد الى رفعه لصالح العملة الوطنية بنسبة أعلى من معدل التضخم فسوف يسهم ذلك في الحد من جموح الدولار.

وهكذا فإن معدل الفائدة يبقى احدى الأدوات الرئيسية التي يمكن استخدامها للحد من كمية النقد المتداول بما يساهم في خفض معدل التضخم والحد من جموح الدولار. وهي الأداة التي لم يعد يملكها مصرف لبنان في مواجهة المحنة الاقتصادية والنقدية الحالية بسبب ان القطاع المصرفي لم يعد يعطي القروض أو يتلقّى الودائع كي تطبق عليها معدلات فوائد منخفضة أو عالية في إطار سياسة نقدية هادفة. مثلما ان الدولة ومصرف لبنان لم يعودا قادرين على إصدار سندات بفوائد معينة وبيعها للمصارف وللمؤسسات وللجمهور في الداخل والخارج بسبب تراجع الثقة بمختلف أصناف وفئات سندات لبنان، بعد أن امتنعت الدولة عن دفع ما عليها من سندات سيادية، وحاصرت المصارف ما لديها من ودائع بالعملات الأجنبية.