بيروت - لبنان

اخر الأخبار

28 حزيران 2021 06:46ص جريمة دولار الـ18500 ليرة: من المستفيد؟!

حجم الخط
في المنظومة الجزائية عندما يحصل إهمال غير مقصود يؤدي الى ضرر محدود تكون العقوبة أقل بكثير من عقوبة الجريمة لا سيما المتعمّدة التي قد تصل في حدّها الأقصى الى المؤبد مع الأشغال الشاقة أو الى الاعدام.

وفي الجنحة يكون السؤال عادة: لماذا وكيف حصل الفعل؟ وأما في الجريمة فالسؤال الأساسي: من المستفيد؟!

نكتب هذه المقدمة في يوم تاريخي مؤلم من حياة لبنان إنهارت فيه عملة الوطن مقابل دولار الغريب بأكثر من عشرة أضعاف خلال أقل من سنتين من ١٥٠٧ ليرة الى ١8٥٠٠ ليرة ودخلت البلاد في نفق مظلم جديد في نهايته القريبة الفوضى الأمنية والتدهور الاقتصادي والاجتماعي والانهيار النقدي الكبير الذي كان الاقتصادي العالمي القدير اللورد «جون ماينارد كينز» يقول عنه أنه المسبب الرئيسي لانهيار مقومات الدولة وبنية الأسرة وأخلاق الشعب.

وأمام هذا الوضع الذي يتعدّى الجريمة الفردية التي بلغ فيها انهيار الليرة اللبنانية حدود الجريمة الجماعية بحق الدولة والأسرة والشعب، يحق السؤال: من المستفيد؟

ولنبدأ عادة بالدولة ورأس الحكم فيها السياسيون والمستشارون والزبانية الخلّان المقرّبون. وأول النتائج لهذه الدولة ومكوناتها ومقوماتها من انهيار العملة الوطنية وصعود الدولار الى ١8٥٠٠ ليرة هو انخفاض الدين العام بالمترتب عليها للجمهور والدول والمؤسسات. فالجزء الأكبر من الدين العام بالليرة اللبنانية الذي كان يساوي نحو ٤٠ مليار دولار عندما كان سعر الليرة مقابل الدولار ١٥٠٧ ليرات، بات يساوي الآن بعد انهيار سعر الليرة وصعود الدولار الى ١8٥٠٠ ليرة أقل من ٤ مليارت دولار لتسديده. وهبطت بالتالي بالقدر نفسه نسبة الدين العام الى الناتج المحلي. وحتى الجزء الباقي من الدين العام أو اليوروبوندز التي امتنعت الدولة عن تسديدها فقد هبطت قيمتها وتهبط باستمرار ربما مستقبلا بالنسبة نفسها التي هبط فيها الدين العام بالليرة اللبنانية.

وأما المستفيد الثاني من هبوط الليرة المروّع وارتفاع الدولار الفاجع فهي المصارف التي باتت تحتاج الى دولار واحد فقط لتسدد كل وديعة بـ١8٥٠٠ ليرة بينما كانت في الماضي تحتاج الى حوالي ١٢ دولارا لتسدد كل وديعة بـ١8٥٠٠ ليرة. وحتى الودائع بالدولار التي تدفعها المصارف بـ٣٩٠٠ ليرة لكل دولار باتت المصارف تحتاج الى دولارات أقل بكثير لتسديدها.

وأخيرا إذا كانت الدولة والمصارف «المستفيد الأول» من انهيار الليرة وصعود الدولار فلا بد بالمقابل من «المتضرر الأول» وهو في هذه الحالة اللبناني المقيم والمغترب الذي ودائعه بالليرة أو بدولارات يقبض مقابلها ليرات تتساقط قيمتها أكثر فأكثر كما الأوراق في عز الخريف، ومثله متضررون آخرون منهم الموظف والعامل الذي كل منهما انهار دخله بالليرة وأكثر من الجميع تضررا نحو ٤٠% من القوى العاملة العاطلة عن العمل وليس لديها أي دخل بالليرة ولا بالدولار وعليها أن تدفع ثمن الارتفاع الجنوني في الأسعار الناتج عن ارتفاع الدولار في بلد ٨٠% من احتياجاته مستورد من الخارج.

ويبقى السؤال الأخير الذي لن يرضي أحدا لا الدولة ولا المصارف ولا المودعين ولا باقي المواطنين وهو ان من يظن انه يستطيع أن يركب ظهر النمر ليصل عبر كوارث واضرار الآخرين، الى سلطة أو الى منفعة سينتهي الى جوف النمر في نهاية المطاف!