بيروت - لبنان

28 آب 2023 12:00ص خسائر الكهرباء

حجم الخط
بعد العودة الجزئية والمقننة لتغذية كهرباء لبنان، زادت الخسائر على جيوب جميع سكان لبنان. لم ترحم هذه العودة/ الصفقة أحدا.. زادت الطين بلّة، وتضخّمت فواتير الكهرباء كلها، تضخّمت أرقامها، وذر الصراع قرنه بين ثلاثة أطراف: المشتركين وكهرباء لبنان وكهرباء المولدات. فلا أحد يرحم أحدا. والأطراف الثلاثة، لا تزال حتى اللحظة، عاجزة عن إيجاد الحل الذي يرضي الجميع، خصوصا إذا ما أخذنا بعين الإعتبار، تمرّد أصحاب المولدات على قرار وزير الطاقة وقرار محافظ بيروت، وكلاهما يأمر أصحاب المولدات بتركيب العدادات، ويمنحهم الفرصة الأخيرة، حتى آخر شهر آب الحالي، تحت طائلة العقوبات ومحاضر الضبط، والإدّعاء عليهم، وسوقهم أمام العدالة، وسجنهم وتغريمهم، بعدم الطاعة والإنتظام، ووضع اليد بشكل عملي، فوري وسريع على المولدات المتمردة والممتنعة عن تركيب العدادات، لأنها تجرّمهم بسرقة جيوب المواطنين، خلافا للأنظمة والقوانين والأحكام، المرعية الإجراء.
لا نقول هذا الكلام جزافا، ولا نتجنّى على الدولة، ولا على الحكومة ولا على وزارة الطاقة ولا على بلدية بيروت ولا على محافظة بيروت، ولا على جميع المحافظات، ولا على أصحاب المولدات أيضا، الذين ركّبوا العدادات لمشتركيهم، أو الذين إمتنعوا عن تركيب العدادات، بل نريد أن نجلي الأمور من كافة جوانبها المالية والمادية البحتة، أمام الرأي العام اللبناني، ما دامت هذه القضية، هي بكل تجرّد، مشكلة يومية، تقع كل يوم على الأرض اللبنانية، وهذه الأطراف جميعا تقع تحت وطأتها الضاغطة، منذ عقود، بلا حل مأمول ولا حل معقود.
حقيقة أنفقت الدولة المليارات منذ الطائف وحتى اليوم على هذا القطاع، قطاع الكهرباء. لكنها لم تنعش هذا القطاع الهام في حياة المواطنين، بل توالت الخسائر، بسبب توالي هدر الأموال، وتوالي حجم السرقات، وتوالي حجم الديون. فما كان يلمس اللبنانيون من هذا الإنفاق الجسيم، إلّا ما نسبته تساوي، أقل من10% من الأموال التي صرفت على هذا مصالح الكهرباء. وهذا لعمري، ظلم ما بعده ظلم، وتعدٍّ ما بعده من تعدٍّ، على حقوق اللبنانيين في أن ينعموا بالكهرباء، في القرن الثالث والعشرين، وظلم ما بعده ظلم، لسرقة مقيّدة وموصوفة وظاهرة ومبيّنة، لأموال عموم الشعب اللبناني.
إن الحكومات المتعاقبة، تتحمّل المسؤولية كاملة، عن إهدار سرقة أموال اللبنانيين التي أنفقت على قطاع الكهرباء، وهي تتحمّل مسؤولية الإهمال أو التغاضي، عن الهدر والسرقات في هذا القطاع الهام في حياة اللبنانيين الذي يكبّدهم خسائر فادحة، تقدر بالمليارات، على ما يقول العارفون بأمر مصلحة الكهرباء، لأنها لم تتجرأ على المراقبة، ولا على المحاسبة، ولم تقم بأية خطوة جدّية في هذا الإتجاه، ولم تصارح الرأي العام بمثل هذا الإرتكاب العظيم، الذي نال من اللبنانيين جميعا لا بل من جميع سكان لبنان.
إن وزارة الطاقة تتحمّل المسؤولية الكاملة، جراء ما حصل من هدر في قطاع الكهرباء، وجراء ما حصل من سرقات، وجراء ما حصل من غش في الفيول، وجراء ما حصل من أعمال تخريب للمعامل ولخطوط النقل وللمحطات، وجراء ما حصل من تزوير في الفواتير، في جميع الإدارات، وجراء ما حصل من توظيف عشوائي، ومن تكليف جباة هربوا بأموال طائلة من قطاع الكهرباء، خارج البلاد، فالوزارة، هي المسؤولة أولا وأخيرا، عن جميع أموال الهدر والفساد والسرقات، التي طالت المالية العامة في جميع مصالح هذا القطاع، عنيت قطاع الكهرباء.
إن البلديات عموما، وبلدية بيروت خصوصا، إنما هي مسؤولة حكما عن مثل هذا الهدر وعن مثل هذه السرقات، حين تقع في دارها، وحين تقع في دائرتها، ولا يمكن التغاضي عن دورها المشبوه، في المسّ بمال قطاع الكهرباء، ما دام يقع التعدي/المجرم ضمن دائرتها، وما دامت كذلك تسرق الكهرباء وتعتدي عليها، وعلى خطوط النقل والتغذية، وتمنح الكهرباء مجانا لأصحاب النفوذ، من نواب ووزراء ورؤساء وشخصيات.
إن دوائر القائممقاميات، كما دوائر المحافظات في لبنان عموما، وفي بيروت خصوصا، إنما تقع عليها مسؤولية التستر على السارقين وعلى الفاسدين، وعلى الذين أهدروا الأموال الطائلة، لتحسين تغذية الكهرباء. فكانت هذه الأموال المرصودة تنفق لحساب جيوب المحاسيب، لحساب المحسوبيات. فما وقف واحد من المسؤولين في هذه الدوائر جميعا، موقفا مسؤولا جريئا في محاسبة المقصّرين والفاسدين والسارقين، ولو أنه يتجرأ، فيضع الإصبع في العيون.
بعد نهوض وزارة الطاقة، بتحسين التغذية لست ساعات يوميا، بكلفة مئة دولار شهريا تقريبا، كحد وسط للعائلات المتوسطة المصروف، زاد العبء على المواطن الذي لا يتأخر عن دفع الفاتورة، بينما نعم المواطن الممتنع عن دفع الفاتورة، بتغذية لست ساعات مجانية، ثمنها أكثر من مائة دولار، وهي بالتالي تعتبر أموال مسروقة حكما من مال الشعب اللبناني. وهذه كلفة باهظة يتحمّلها المواطن الصادق مع خطة التغذية الجديدة، دون أن تلاقيه الوزارة، بالنظر في إشتراكه، إذا ما كان مشتركا في مولد من المولدات، ذلك لأنه يدفع جزءا من فاتورته، لحساب أصحاب المولدات، الذين يريحون مولداتهم في هذه الأوقات، ويوفرون تشغيل مولداتهم لست ساعات يومية.
إن أصحاب المولدات، هم الذين أصابوا من تغذية الساعات الست من كهرباء لبنان/ كهرباء الدولة، كما نسمّيها نحن في الأحياء. فهم يتقاضون 100 دولار شهريا عن 5 أمبير، لمدة 14 ساعة في اليوم، في بعض المناطق، و150 دولارا في مناطق أخرى، ويزداد المبلغ تصاعديا، كلما إزداد تصاعد نسبة الأمبيرات. وقد خدمته وزارة الطاقة بتغذية ست ساعات يوميا، فتضاعفت أرباحه، مرات ومرات، على حساب دخل المستهلكين المشتركين لديه، في المولدات.
سعادة محافظ بيروت، تنبّه أخيرا لهذا الأمر. حكم بتركيب العدادات، على حساب أصحاب المولدات، وهذا الأمر قد سمعناه سابقا، منذ كانت الوزارة، تقدم ساعة تغذية واحدة. ولكن أصحاب المولدات، لم يعيروا آذانهم له، لأنهم سرعان ما صاروا في كنف طبقة المسؤولين.
الظلم في الكهرباء واقع على جميع اللبنانيين، والخسائر بمليارات الدولارات، نتيجة تكبّدهم الآثار السلبية، جراء ذلك، في القطاع السياحي، صيفا وشتاء، وفي جميع الأوقات.. فكم من البضائع أتلفت، جراء إنقطاع الكهرباء؟! وكم من الخسائر وقعت وهي تقدّر بالملايين، نتيجة فقدان بل إنعدام وجود الكهرباء؟!
ففي غياب الكهرباء تتعطّل جميع مرافق الدولة، البلدية والمالية والإقتصادية. يتعطّل عمل الإدارات. يتعطّل عمل الوزارات والمدارس والجامعات. يتعطّل قطاع الإستشفاء. تتعطّل المصالح كلها، بما فيها مصالح الدولة والوزارات والإدارات.. خسائر الكهرباء بالمليارات هذا العام، فهل من يستيقظ على مثل هذا الموت «غير الرحيم»، الذي يداهم، بل يصيب جميع اللبنانيين وجميع سكان لبنان.
قرأت فيما قرأت، عن ثورة لينين، وعن الشعار الذي رفعه العام 1917، لجميع المواطنين، أغراهم به لإتباعه، وإستباقه إلى الثورة على حكم القياصرة. قال لهم فقط، في أول خطاب جماهيري له:
«أيها الناس، أعدكم بكهرباء في عموم البلاد، أربعا وعشرين على أربع وعشرين». فليتق حكام لبنان الله بنا، في القرن الثالث والعشرين! ولننتظر بعد ذلك جرأة المحافظ، في موقفه الواعد، من أصحاب المولدات، الذي ينتظر اللبنانيون الإيفاء به، وليقل لهم حقا: إننا على العهد لباقون!

* أستاذ في الجامعة اللبنانية