بيروت - لبنان

اخر الأخبار

19 آذار 2021 12:00ص آلام العربية

حجم الخط
في الثامن عشر من كانون الأول، احتفت اللغة العربية بيومها العالمي.. ستقول كما يقول العرب في هذه الأيام: «عيد بأية حال عدت ياعيد».

آلام العربية، من آلام ناسها.. وآلام العربية من آلام كتّابها.. آلام العربية من آلام دولها وحكوماتها.. آلام العربية، من آلام مواطنها.

من رحم هذه الآلام، منفردة أو مجتمعة، تولد العربية اليوم، كل يوم. تولد العربية من أرحام هذه الآلام كلها، وربما هي أكثر بكثير، مما ذكرت، ومما عددت.

ولأن حياة اللغة من حياة أصحابها، من حياة أبنائها، من حياة أهلها وناسها، فإنها بذلك أعظم اللغات مصيبة.

لا تقدم في مجتمعاتها، تتقدم به إلى العالم.. ولا منجزات لأدبائها وشعرائها، إلا ما ينسب إلى القدماء، ويعثر به أبناؤها، بل يتعثرون به، ويعدونه من المهجور.

صار العالم، يطلب العربية في المتاحف، لا من حياة الناس العادية، تماما كما كان النحاة في عصور الإحتجاج، يتسقطون أخبار العربية في متاحف البادية، ولذلك تأخّرت العربية عن كبريات لغات العالم، وباتت تعيش في ظلال العالم المتمدن، بدل أن تكون على الأرض وتحت الشمس، تماما، كما نبتت وأينعت وأزهرت وأثمرت.

أقول ذلك، لأن علماء الأنتروبولوجيا وعلماء اللغات، قارنوا بين حياة اللغات وحياة الأشجار في أوطانها.. وعقدوا المقارنة عنصرا بعنصر، وجذرا بجذر وجذعا بجذع وغصنا بغصن وأديما بأديم.

العربية في يومها العالمي، تندب حظها من أهلها. فقد نالها منهم العقوق، أكثر مما هي عقتهم به، كما يدّعون عليها زورا وبهتانا.

يتحدثون عن جمالها، مثل فتاة قريش.. غير أنهم سرعان ما تنال منهم المذمّات، لأنها، تقصّر عن سائر لغات العصر في أي مصر.

لجهل العرب بلغتهم، لأميتهم المحدثة، في كل علم وفي كل أمر.. صاحبوا اللغات اللاتينية، وغادروا لغتهم الأم.. عدّوا عنها إلى غيره.. وهذا أخطر ما يصابون به اليوم. وسوف ينساهم العالم تماما، حين ينسون لغتهم العربية، التي عاشوا على أفضالها حتى اليوم.. وحتى يرث الله الأرض وما عليها.

لا أبالغ إذا قلت في اليوم العالمي للغة العربية، إن العرب اليوم، هم فضلة لغتهم.. إن العرب هم فضلة العربية.. إن العرب اليوم هم فضلة هذا الثوب.. هم فضلة اللسان العربي.. هم فضلة القرآن.

فكم قصّر العرب عن سائر أمم الأرض، حين صاروا فضلة زادهم اللغوي، في حين أن لغات العالم كله، إنما هي فضلة أممها وشعوبها.

في اليوم العالمي للغة العربية، في عيدها السنوي، تتعالى «لغة آدم» لغة القرآن، لأن العالم كله، يهبّون لتكريمها، يهبّون لحفظها وصونها، أكثر بكثير مما يفعل أبناؤها بها، ولا ضير في ذلك فإنما الشأن شأن الجهل بها.

ومما يحزّ في النفس ويؤلم البدن والعقل، أن نرى عقلاء العالم يهتمون بها.. فتتألق مثلا، على أيدي المستشرقين الألمان والهولنديين والفرنسيين والروس والأميركيين، أكثر من تألقها في مواطنها. ولا ضير في ذلك، فقد شاركنا المتنبي الأسى نفسه فقال في غير هذا الموضع، وفي غير هذا الموضوع:

ولكن الفتى العربي فيها   غريب الوجه واليد واللسان

أستاذ في الجامعة اللبنانية