بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 شباط 2022 12:00ص الفنان التشكيلي أسامة دياب لـ«اللواء»: يرقى العمل الفني بالقدر الذي يحترم فيه الفنان جمهوره لا أن يقفز فوق مداركهم

الفنان التشكيلي أسامة دياب الفنان التشكيلي أسامة دياب
حجم الخط
تختزن أعمال الفنان التشكيلي «أسامة دياب» (Oussama Diab) الكثير من الموسيقى المتغلغلة بالعمل التشكيلي، وهي غنية بالإيقاع البصري المنوط بالجمالية الذي يمنح الحالة البصرية شيء من المتعة، وعدم الوقوع بفخ الواقعية التسجيلية، فهي تقفز وتتلوى من انبهار الضوء بحركة وانفعال يطوّع العناصر ويربطها بحوارية ممتعة لا يملّ المتلقي من البحث من خلالها عن رعشة فرشاته أو انفعالاتها، ويستطيع الناظر أن يتعقب حتى الحركة في صياغة جملتها وفضائها، فالحركة والإيقاع في أعماله هي التي تأخذه الى الرضى والمتعة في الحضور أمامها. وهو من مواليد بنش في محافظة إدلب، درس الفنون الأكاديمية في جامعة دمشق وتخرّج منها في 1985 باختصاص تصوير.. عمل في مجال الإعلان بشركات خاصة محلية وعربية، أقام العديد من المعارض الفردية في دمشق واللاذقية بلغت 7 معارض.. وأقام عدة ملتقيات فنية لصالح وزارة الثقافة، ملتقى التصوير في السويداء عام 2017، ملتقى الفنان الراحل نذير نصر الله 2021 دمشق. شارك في العديد من المعارض السنوية الخاصة بوزارة الثقافة وغيرها.. عمل مدرّساً محاضراً في كليتي الفنون الجميلة والعمارة في جامعة دمشق..

{ ما الذي جعلك ترسم أم عزيز تحديداً، ولماذا هذا التجهم اللوني في هذه اللوحة تحديداً؟

- في تلك الفترة التي أعقبت مجزرة صبرا وشاتيلا كنت ما زلت شابا في سنواتي الأولى أدرس الفنون بجامعة دمشق، والأثر الدامي والمفجع والمثقل بالغضب لم يكن لديّ بعد هذه القدرة على موازاة الحدث بعمل فني يرقى لهول الفجيعة.. أم عزيز الآن أصبحت أيقونة الحق، الذي ظننت لفترة طويلة انني عاجز عن مجاهرتي به، كما فعلت تلك السيدة وعاندت وناطحت طيلة عمرها بحثا عن من ينصفها بل ينصفنا نحنا.. اللون المتجهم والقاسي واللمسة المنفعلة بمفردات وعناصر اللوحة إلا في ذاك الوجه الواثق والذي يملاؤه كثيرا من العتب.. كان بعضاً مما أعادني الى ذكرى المجزرة البشعة حين تملّكني العجز حينها عن فعل شيء.. وهي هذا الحزن والبؤس المجبول بالقهر الأبدي الذي تعيشه كل أم فقدت عزيزا .. فرضت الحكاية ألوانها دون مواربة.

{ تهدف الى التمثيل الواقعي في الشكل لجوهر المعاناة الإنسانية، لماذا هذا النهج؟

- لنكن صريحين أكثر.. لا بد من الفجاجة والصعقة التي يحتاجها المتلقي عندما يتعلق العمل بالتأثير والتأثّر بطبيعة الطرح (معاناة) حيث الرمادية التي تملأ سطح العمل هي هنا دعوة للانحياز ونبذها.. لا وسطية بنظري أمام المعاناة بل التأثّر ثم التأثير والفعل، كان للواقعية بالشكل أقرب ما تكون لردّة الفعل دون تكليف العناء في فلسفة الجملة البصرية، وهذا من وجهة نظري لا يتنافى مع الحداثة وتجريد الشكل أو المبالغة بالتعبير المنفعل الذي يتحمّل أوجه عديدة، وللتعبيرية الحديثة منهجها العام، وربما الأشمل لكنها في العمل الفني عندي يجب أن يحمل ما أحملّه من رسالة أرغب في أن تصل لمن يعنيه..

{ تتفاوت الحركة البصرية بمغناطيسية يشعر بها المتلقي، هل تفتح الأبعاد لتبقيها ضمن معاييرك الخاصة؟

- هذا ما كنت أتحدث عنه، الإيقاع الحركي يخلق موسيقى بصرية خاصة؛ والخصوصية هنا تتشكّل بالبحث الدؤوب والتجربة المستمرة عن المتعة البصرية واللغة الراقية في التشكيل، لكل فنان مقاييسه ومفرداته وقِيَمه اللونية وأسلوبه الذي يجعله متفرّدا بقواعده ومعطياته وأسلوبه الذي يحب، فيجعل منه حالة متفرّدة ومميّزة خلّاقة لا أن يكرر ذاته أو يتناسخ بقواعد غيره أو ما اعتاد عليه الجمهور وإلا فَقدَ صفة إبداعه وكونه فنان...

{ الفنان أسامة دياب والواقعية التعبيرية في زمن الحداثة، هل تفرّط في التعبير أم انك تختزل معاناة الإنسان في زمن يقال عنه ما بعد الحداثة؟

- يرقى العمل الفني بالقدر الذي يحترم فيه الفنان جمهوره ويرقى بوعيه البصري لا أن يقفز فوق مداركهم وينشئ عالما خاصا عاجيا متقوقعا بعيدا هناك في صومعته مدّعياً فهماً أكثر ورؤية أوضح غافلا عن مهمة الفن والفنان بأنه رسولا أمينا للجمال وللحضارة الناعمة.. كما أسلفت كل أعمالي أرسمها وأعبّر بواقعية الشكل وانفعال الحركة وصدق التعبير وسهولة الرؤية بعيدا عن اللف والدوران، لا يحتاج عمل أسامة دياب الى نشرة مرفقة عن طريقة الاستعمال والقراءة والإدراك بل عملي يفهمه المثقف بصريا وهو راضٍ عن ما أشبع بصره، ويفهمه الجمهور البسيط لجمال إيقاعاته وموسيقاه.ليست أعمالي بعيدة عن مفهوم عامة الجمهور، فهي تمتلك منهم الحب والمتعة، لا إفراط في التعبير ولا ملل، في واقعية تحترمه وتحاكي مدركاته ببساطة.

{ تمنح اللون مكانة بارزة بحيث يتوشح بمعاني خاصة، ألا تخشى القراءة البصرية الخاطئة؟

- لا يخطأ القراءة من يقف أمام أي عمل فني مهما كانت مدرسته، ولكن من يخطأ هو من لا يستطيع أن يوصل جملته مشكّلة ومنقّطة ومعبّرة وموجزة كما يجب.. اللوحة لا تحتاج الى عناء في القراءة إلا على جاهل وهذا الجاهل إما أن يكون من رسمها أو من تلقّاها... كل منّا فنانا في داخله يرى ويسمع ويتحدث، وكثير من المتذوّقين يرسمون صورا بحوارهم أو بأقلامهم أو بأصواتهم لكنهم لا يستطيعون أن يعبّروا عنها تشكيليا، الفنان الذي منحه الله القدرة على تشكيل أحاسيسه ومكنوناته ويطوّع ألوانه بإخراجها باحثا معلّماً ومتعلّماً هذا من أقف له باحترام وأبارك لرسالته الرائدة.