بيروت - لبنان

اخر الأخبار

1 تشرين الأول 2022 12:00ص مذكرات الرئيس صائب بك سلام (4)

حاول شهاب ضم برج حمود إلى دائرة بيروت الموحدة واعترض على تضمين البيان الوزاري «لبنان بلد عربي»

حجم الخط
يتابع الرئيس صائب بك سلام في مذكراته عن لبنان والمنطقة، فيشير إلى أنه بمناسبة الانتخابات النيابية عام 1960 بدأ رئيس الجمهورية اللواء فؤاد شهاب بوضع جملة مراسيم اشتراعية أصدرتها الحكومة الرباعية (كرامي، العويني، الجميّل، إِدّه) من بينها قانون انتخاب رفع عدد النواب من (44) نائباً إلى (99) نائباً، وقد حاول الرئيس شهاب أن يجعل بيروت دائرة انتخابية واحدة «وهذا ما كنت أرحّب به، لكنه أضاف إلى بيروت للمرة الأولى أرمن برج حمود، وكان عددهم كبيراً جداً بحيث يرجحون عدد المسيحيين على المسلمين في دائرة بيروت الموحدة، فعارضته بشدّة، لأن هذا يولد ضرراً في تنافر المسلمين والمسيحيين مقترحاً في حال جعل بيروت دائرة واحدة إبقاء أرمن برج حمود خارج بيروت الانتخابية كما كان في السابق» وأضاف سلام «فلم يوافق شهاب على ذلك وأصرّ على إبقاء برج حمود في نطاق منطقة الأشرفية التي هي جزء من بيروت» وأضاف سلام «ولم تكن معارضتي لهذا المشروع موقفاً طائفياً أو عدائياً للأرمن الذين أقدّرهم وأقدّر مواقفهم دائماً، بقدر ما كان نابعاً من حرصي على الوحدة الوطنية التي تستدعي التوازن بين المسلمين والمسيحيين فتغلب أكثرية طائفية كبيرة في بيروت الكبرى بإضافة أصوات الأرمن إليها، مما سيؤدي إلى نزاعات طائفية تعود بالوضع إلى ما كان عليه في العام 1958».
وبالرغم من اتفاق صائب سلام مع رفيق نجا ومحمد كنيعو للاتصال بالرئيس شهاب لتعديل المرسوم المشار إليه، غير أنه لم يوافق على اقتراحهما أيضاً، علماً أن منطقة برج حمود تتبع جبل لبنان وليس بيروت.
وعند الإعداد للانتخابات النيابية في ربيع عام 1960، بدأت محاربة صائب بك سلام كما يقول من جهات ثلاث: عبد الحميد السراج رئيس المخابرات السورية في عهد الوحدة، وسفير مصر في بيروت عبد الحميد غالب، والرئيس شهاب، ويضيف سلام، بأن «عبد الحميد غالب جمعني مع عبد الله اليافي في منزل الحاج حسين العويني» وطلب من سلام تكوين لائحة انتخابية تكون برئاسة صائب سلام ومعه عبد الله اليافي ورشيد الصلح، وقد تبيّن بأن رشيد الصلح كان مرشح عبد الحميد السراج، فرفض صائب سلام أن يضم إلى لائحته الصلح، فإذا بعبد الحميد غالب يقول بأن المشير عبد الحكيم عامر يريد الصلح معكم غير أن موقف صائب سلام ومن منطلقات وطنية والقرار الحر قال لعبد الحميد غالب «لهذا السبب الذي ذكرته تجدني أتشدد أكثر في رفض رشيد الصلح، اليوم يتدخل المشير والسراج في الانتخابات النيابية، وغداً يحددون من دمشق: نريد محافظاً للبقاع أو عضواً في القضاء، أو قائم مقام في إحدى المناطق. رفضي لهذا الموضوع يندرج في إطار معارضتي لمثل هذا النهج في التعامل بيننا وبين إخواننا في سوريا، ولا سيما أن على رأسهم المشير الذي لم يكن يعي مسؤولياته في سوريا، والسراج الذي كان في نظري أحد الأسباب الرئيسية في تهديم الوحدة السورية - المصرية الذي أدّى إلى الانفصال عام 1961.
هذا وبعد أيام قام صائب بك سلام بتأليف لائحته التي تكوّنت من: صائب سلام، عبد الله اليافي، ونسيم مجدلاني، وبسبب بعض الخلافات الداخلية، فقد ترك مركزين شاغرين ليتنافس عليهما: عبد الله المشنوق ورفيق نجا وعثمان الدنا، وعند انتهاء انتخابات عام 1960 على أساس بيروت دائرة انتخابية واحدة نجح صائب بك سلام بأصوات كبيرة ونجح معه رفيق نجا وعثمان الدنا وعبد الله المشنوق ونسيم مجدلاني، ولم يوفّق عبد الله اليافي في الانتخابات، كذلك فاز عدنان الحكيم في مواجهة تقي الدين الصلح، وكانت حكومة الانتخابات برئاسة أحمد الداعوق.
وعن استقالة الرئيس فؤاد شهاب، قال الرئيس صائب سلام في مذكراته، بأنه وصل إلى منزل الرئيس فؤاد شهاب ليجد العدد الكبير من الشخصيات السياسية قد تجمعت في منزله لإقناعه عن العدول عن استقالته، غير أن سلام عندما رأى كتاب الاستقالة أحرقه، وكأن شيئاً لم يكن، وهكذا عاد شهاب عن استقالته، ويضيف «ما آلمني لحظة عدول شهاب عن استقالته قيام عبد الله المشنوق وعدنان الحكيم بحمله على أكتافهما، وقد أخذ الصحافيون لهما الصورة التي أصبحت تاريخية...».
ونظراً لنجاح صائب بك سلام في الانتخابات بعدد كبير من الأصوات، كان لا بد من أن يكلّفه الرئيس فؤاد شهاب بتشكيل الحكومة. وبالفعل فقد تم تشكيل الحكومة، وكان معه فيها عبد الله المشنوق وعثمان الدنا وسليمان العلي وكمال جنبلاط وموريس وبيار الجميل وفيليب تقلا وسواهم، واحتفظ صائب بك بوزارة الداخلية كعادته، وتألفت الحكومة من (18) وزيراً بينهم أربعة وزراء دولة. وفي هذه الفترة كان قد أعلن صائب سلام «أن لبنان واحد لا لبنانان» وأن لبنان بلد عربي، وهو ما تضمنه البيان الوزاري، الأمر الذي اعترض عليه الرئيس فؤاد شهاب، خوفاً من معارضة المسيحيين غير أن صائب سلام أبقى على هذه العبارة في البيان الوزاري.
وفي هذه الفترة ترأس الرئيس صائب سلام وفد لبنان إلى الأمم المتحدة ومعه وزير الخارجية وبعض السفراء، وكانت له كلمة مهمة، كما اجتمع مع الرئيس الأميركي ايزنهاور وحذّره من بقاء أميركا منحازة مع الكيان الصهيوني ضد القضية الفلسطينية، مما يؤدي إلى خسارتها في العالمين العربي والإسلامي. كما اجتمع مع المغتربين اللبنانيين وطالبهم باستمرار وحدتهم الوطنية، كما ألقى كلمة مهمة في الأمم المتحدة بمناسبة اجتماع زعماء العالم الثالث. وبهذه المناسبة، تبيّن بأن هناك خلافا كبيرا بين عبد الناصر والملك الأردني حسين، فإذا بصائب سلام يجري اتصالات مكثفة بينهما لمصالحتهما ولعدم ظهور العرب بمظهر الانقسام في الأمم المتحدة، وقد نجح في ذلك. وبعد مقابلته نهرو وتيتو وبعض زعماء العالم اجتمع مجدداً مع الرئيس جمال عبد الناصر الذي قال لصائب سلام «إن الطبيب نصحه بالراحة التامة لمدة ستة أشهر. وأردف قائلاً بتنهد: من أين لي ستة أشهر يا أخ صائب، من أين لي ستة أيام أو ست ساعات للراحة. يومها نصحته بتوزيع صلاحياته على مساعدين له...».
ويذكر صائب سلام في مذكراته «في أول جلسة عقدناها لمجلس الوزراء بعد عودتنا من نيويورك، قال فيليب تقلا أنه لا بد له من أن يعلن للرئيس ولمجلس الوزراء، أنه عارض في البداية ذهابي إلى نيويورك، لكنه الآن يعترف بأن ما قام به رئيس الوزراء رفع اسم لبنان عالياً، ولم يكن باستطاعة غيره تحقيق ما أنجزه على الصعيدين العربي والدولي. لم يرضِ هذا التصريح الرئيس فؤاد شهاب...».
ومن الأهمية بمكان القول، فإن صائب بك سلام أشار في مذكراته إلى صداماته المتكررة مع الرئيس فؤاد شهاب، لأن الرئيس كان يمارس السلطات خارج نطاق الدستور والقوانين المرعية الإجراء، ومن جهة ثانية، فقد أكد الرئيس صائب سلام في مذكراته أنه كان من أول المطالبين بإنصاف الشيعة في المراكز الحكومية، وحدثت خلافات بينه وبين الرئيس شهاب لهذا السبب.
موضوع الاعتراف بكلية الحقوق في جامعة بيروت العربية
وحول موضوع جامعة بيروت العربية قال الرئيس سلام أن «هذه القضية من أبرز القضايا التي شكّلت سبباً لخلافي مع الرئيس شهاب»، لا سيما موضوع الترخيص للجامعة بإنشاء كلية الحقوق فيها، حيث تحركت نقابة المحامين مدعومة من الرئيس شهاب لمنع إعطاء ترخيص كلية الحقوق لجامعة بيروت العربية تحت حجج واهية، وقال سلام «حيث أن مصر مشهود لها بكفاءة أساتذة الحقوق وبمستوى معاهد القانون فيها، بل إن بعض كبار المحامين اللبنانيين كانوا يتصلون بالعلّامة الحقوقي المصري عبد الرزاق السنهوري، وهو من أساطين الحقوقيين لأخذ مشورة قانونية منه...»، ومما قاله الرئيس سلام «إن كلية الحقوق في جامعة بيروت العربية قد افتتحت ولن تقفل أبداً».
وقال للرئيس شهاب «لا مانع من طرح هذا الموضوع على مجلس الوزراء فإما يوافق على إنشاء كلية الحقوق في جامعة بيروت العربية أو أترك الحكومة، وقد استمر إضراب المحامين حوالي سبعة أشهر... إلى أن توصلنا في نهاية المطاف على تسوية قانونية معقولة، تسمح باستمرار كلية الحقوق والاعتراف بشهادتها».
وتحت عنوان مؤتمر عدم الانحياز في بلغراد الذي شارك فيه الرئيس صائب سلام على رأس وفد لبنان في أيلول عام 1961، أشار إلى اجتماعه مع رؤساء الدول، كما اجتمع مع عبد الناصر حيث تفاهما على نقاط مهمة حول الوضع اللبناني، ومنذ هذا الاجتماع توقفت الصحافة المصرية عن مهاجمة سلام الذي كان بعض المغرضين ينقلون لعبد الناصر كلاماً غير صحيح يقال عنه عن لسان صائب سلام. والتقى الرئيس سلام بعبد الناصر على هامش المؤتمر عدة مرات، كما التقاه في القاهرة وكان دائماً يحذّره من الأخطاء التي يرتكبها عبد الحميد السراج وأكرم الحوراني وعبد الحكيم عامر من ممارسات خاطئة على صعيد الحكم وعلى صعيد الشعب وعلى صعيد الشخصيات السورية الكبرى التي أسهمت باستقلال سوريا متعاونة مع الشعب السوري، وقد اقتنع الرئيس عبد الناصر باقتراحات الرئيس سلام لترتيب الوضع في سوريا، ووعده بتنفيذها بما فيه موضوع الإصلاح الزراعي الذي طبق في سوريا خطأ، ولكن ما هي إلا فترة وجيزه حتى حصل الانفصال في 28 أيلول 1961، وبذلك خسرت مصر والعالم العربي وسوريا مشروع الوحدة العربية في التاريخ المعاصر. وبهذه المناسبة يقول سلام في مذكراته «وقع الانفصال... ومن مثّل لي ولأمثالي من أنصار الجمهورية العربية المتحدة وقتها ضربة موجعة، فاستغل الرئيس فؤاد شهاب... هذا الظرف الذي أضعف من شأن الناصرين... وعندما شعرت بتفاقم عمل فؤاد شهاب ومعاونيه... 
قدمت استقالة الحكومة إلى شهاب الذي قبلها... ليكلف رشيد كرامي...».
ويعود سلام في مذكراته للإشارة إلى علاقته بعد الناصر يوم زاره في مصر بعد الانفصال، واجتمع به وبمساعديه عدة مرات من أجل لبنان والوضع العربي وجمعية المقاصد وأملاك اللبنانيين في مصر والوضع القلق في سوريا بعد الانفصال، وعن الدور المصري والسوري في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 1964 التي سبقها الانتخابات النيابية، فقد أشار سلام إلى نشاط مصري وسوري من أجل انتخابات الرئاسة، ولما رفض شهاب التجديد لنفسه مرة ثانية طرحت أسماء للرئاسة منها: سليمان فرنجية، وفؤاد عمون، وشارل حلو وغيرهم، ولما عقدت جلسة نيابية في 18 آب 1964 انتخب شارل حلو رئيساً للجمهورية ضمن الظروف التي كانت محيطة بلبنان وبالانتخابات وبمواقف النواب ومواقف مصر وسوريا وأميركا. وكان قد تم اختيار الحاج حسين العويني رئيساً للحكومة.
وفي خضم التطورات اللبنانية، توجه صائب سلام كما يذكر في تشرين الثاني 1964 إلى المملكة العربية السعودية لتهنئة الملك فيصل بتوليه العرش، ووطد علاقته بالمملكة من جديد، كما زار لندن في كانون الثاني عام 1965، كما قابل في بيروت الرئيس الحبيب بورقيبة في آذار 1965 خلال زيارته للبنان، والذي راح يبرر موقفه من ضرورة الصلح مع الكيان الصهيوني بشيء من العصبية والمزاجية، وتبيّن لصائب سلام كما أشار في مذكراته «إن عقدة بورقيبة الأولى والأخيرة هي عبد الناصر، وهي على أي حال العقدة نفسها التي يعاني منها أغلب الحكام العرب». ثم أشار سلام إلى توسطه بين عبد الناصر والملك فيصل لحل أزمة اليمن. وأشار سلام في مذكراته إلى زيارة الرئيس عبد الناصر في أواخر آذار 1965 حيث بقي في القاهرة سبعة عشر يوماً في لقاءات مع عبد الناصر والمسؤولين المصريين للتباحث في القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين والوضع في لبنان، ومن بعد زيارته لمصر زار الأردن بناء على دعوة من الملك حسين. وفي خضم هذه الزيارات العربية والدولية، كانت انتخابات مجلس أمناء المقاصد في آذار عام 1961 التي فاز بها الرئيس صائب سلام مع جميع أعضاء لائحته بما فيه الأعضاء الجدد، فتوافدت الوفود الإسلامية والمسيحية للتهنئة بنيل هذه الثقة المقاصدية الكبيرة.
وحول انتخاب مفتٍ جديد للجمهورية اللبنانية، بسبب مرض المفتي الشيخ محمد علايا، فقد توافق الرئيس صائب سلام مع رئيس الوزراء الجديد عبد الله اليافي والحاج حسين العويني وبقية الفعاليات السياسية والدينية الإسلامية على انتخاب القاضي الشيخ حسن خالد مفتياً للجمهورية اللبنانية.
ويشير الرئيس صائب سلام في مذكراته إلى العدوان الإسرائيلي على مصر يوم الإثنين في الخامس من حزيران 1967 ولمدة أيام، وكان سلام في مصر آنذاك وقد قابل عبد الناصر عدة مرات، وتبيّن - للأسف - بأن الكيان الإسرائيلي قد احتل أراضي الضفة الغربية والجولان وسيناء وسواها، مما أثّر كثيراً على معنويات عبد الناصر والقوى الناصرية في لبنان ومصر والعالم العربي، وقد وقعت الهزيمة بسبب خيانات بعض الضباط. وأضاف سلام أنه مما كان يشغل باله الأخبار عن صحة الرئيس عبد الناصر الذي كان يحمل همّ مصر وهموم الأمة العربية، وأشار الرئيس صائب سلام إلى أن أوضاع لبنان باتت صعبة جداً بعد هزيمة العرب أمام إسرائيل، وبروز المقاومة الفلسطينية في بيروت والمناطق اللبنانية، خاصة بعد الغارات الإسرائيلية على مطار بيروت عام 1968، وبعد أيلول الأسود في الأردن في أيلول عام 1970 وتعقّدت الأمور كثيراً، وأشار إلى نشوء تحالف ضمّه وسليمان فرنجية وكامل الأسعد مع آخرين ضد الشهابية انتهى بانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية في أيلول عام 1970.
يتبع...