بيروت - لبنان

اخر الأخبار

5 أيار 2020 12:00ص هل يعتمد العمل الفني أثناء الأوبئة على بصمة الحدث؟

حجم الخط
تميل الريشة الفنية إلى إظهار التحدّيات الإنسانية في مواجهة الكوارث الاجتماعية المرتبطة بالأمراض والأوبئة، والخاضعة لمعايير قوانين الطبيعة وعلاقة ذلك بالريشة التي تبحث عن ألوانها في الطبيعة التي تحيط بها، فيلتزم الفنان بأحاسيسه وما يصدر عنها من جمال أو قبح ليقيم علاقة فنية تبرز من خلالها تطلعاته نحو الأزمات، إن من جهة الحل أو من جهة التعقيدات وصولا إلى تصوّرات مرعبة أو مرضية بهدف خلق انسجامات وتعايشات يشارك فيها فنيا مجتمعه أو حتى يبرهن لنفسه عن قيمة التواصل بينه وبين المجتمع رغم التباعد الذي يفرضه الوباء غالبا، إلا أن الوعي التشكيلي عن طريق علاقة الأوبئة بالريشة في المجال الفني هو استخدام لجميع الوسائط المتاحة أثناء الحجر الصحي ان صح القول، والتي تشكّل نوعا ما رموزا للرفض أو القبول، وضمن ثنائية الجمال والقبح التي تتذبذب أحيانا. إذ قد تصاب ريشة الفنان بصدمة تفقده العنصر التشويقي للرسم، لكنه سرعان ما يحاول فهم ما يجري من حوله من خلال ريشة ذات مقومات فنية يستغلها من عدة جوانب لتحقيق الصورة المتغلغلة في مخيّلته وقد تمثل اللوحة التي ينتجها احدى الدعامات الأساسية في الرؤية القادرة على تصحيح المسارات الاجتماعية أو حتى أرشفة الحدث بصريا بوجدانية غالبا تنشأ عن حساسية عالية يمتلكها الفنان ويترجمها ابتكاريا، وبتمرّد على الأحداث التي تفرض نفسها، كما يحدث اليوم ومعضلة الحجر الصحي التي يمارسها الفنان مع ريشته وألوانه بين زوايا اللوحة، فهل يعتمد العمل الفني أثناء الأوبئة على بصمة الحدث والانفعالات الناتجة عنه؟ أم أنه سيبحث عن الجمال حتى ضمن القبح الفيروسي للوباء التاجي الذي نمرُّ به حالياً؟

ربما يتبادر الى ذهن المتلقي للرسومات الفنية أن الريشة لا تخضع للتقنيات أو حتى للقوانين الفنية، أو ربما هي تتحرر من قيود الرفض والقبول وتصل الى الاحتجاجات البصرية من خلال الرسم والألوان، وقد تتحاشى المواجهة من خلال الرموز إلا أنها تحمل في طياتها الأوجاع بجمالية لا يمكن إنكارها، كما أنها تعكس العوالم الاضطرابية من خلال التناقض بين الألوان أو المبالغة فيها أو شفافيتها القوية ليسلّط الضوء على الازدواجية التي يعاني منها الفنان أثناء الأوبئة والأمراض أو حتى الكوارث التي تصيب مجتمعه أو حتى مرض أحد أفراد أسرته أو مرضه هو شخصيا كما في لوحات الفنانة دلال فرح بيرد التي ارتكزت على عمل الخلية وجماليتها رغم نتائجها السيئة أثناء انقسامها المرضي، فيعيد الفنان انتاج تصوّراته للماضي أو للحاضر أو ينتقل الى المستقبل رفضا للواقع الموجوع الذي أصابه بدهشة فنية. فهل تستطيع الريشة مراعاة الإنسانية وتخطّي الأزمات من خلال الألوان؟ أم أنها تترجم عاطفيا وتخيّليا ما توسوس لها النفس الإنسانية في مثل هذه الكوارث أن صح القول؟

قد تتلاعب الريشة أثناء الأوبئة بالنتائج، وقد تنتصر وتمنح الأمل وقد تخيب وتحمل اليأس، وربما بين القبح والجمال تبقي على رسالتها الإنسانية فنيا من خلال الأشكال والرموز، والتعابير والأحجام المختلفة حيث تسكن اللوحة حركة الحياة أو جمودها، وقد يعبث بالواقع ويفرض واقعا آخر على لوحته. لكنه في كل الأحوال ينتج عملا فنيا يحاكي من خلاله تمرّده الذاتي بموضوعية زمنية هي أشبه بالهذيان لإخفاء حالته الحقيقية المليئة بالتناقضات، وبمزاجية الفرح والحزن معا وقد ينعكس ذلك على الألوان، فيستبدل الضعيفة والباردة منها بالقوية والحارة ليمنح لوحته العافية والجمال.



dohamol@hotmail.com