بيروت - لبنان

اخر الأخبار

27 أيلول 2023 12:00ص هموم المثقّفين

حجم الخط
البعض يظنّ إن المثقف في وطننا وفي عالمنا الثالث عامة، يُقيم في أبراج عاجية، يُطلّ من خلالها على المجتمع مترفّعاً ومنظّراً ومحلّلاً، وهذا ظلم مرفوض، ولا يجوز إلصاق هذه التهم به بالمنظور العلمي والواقعي، لأن من يملك الثقافة الحقّة هو الذي يتمرّد ويثور ويرفض الأفكار والعادات البالية التي ما يزال المجتمع يتمسّك بها ويحتضنها، معتبراً المسّ بها ينال منه ومن تراث يعتنقه، الى حد رفض أنوار العلم والمعرفة.. من هنا لا نستغرب قول المثقفين بأسى وأسف: «إننا نسير بين أفخاخ متنوّعة المصدر، تعيق حركتنا..» هذه الجملة يردّدها معظم المثقّفين في عالمنا الثالث، وهم يتمنّون لو كانوا مثل سائر خلق الله من المبدعين في العالم الأول الذين يملكون حرية القول والحركة ونشر أفكارهم.. هذا صحيح لأن نموذج المثقف في عالمنا الثالث مميّز وفريد، وما يواجهه تعود جذوره الى خرافات وأساطير، تقوم الدنيا ولا تقعد إن رفضها ورفض الجهل والتخلّف والتعصّب، وجهر بما يؤمن به، ذلك لأن الحقائق العلمية حين تواجه الأساطير والعادات والتقاليد الرثّة، لا بد أن يتوافر لها مناخ إيجابي يساعدها على النمو والحياة، من هنا تأتي ضرورة إفساح المجال لدورة البنّاء الذي لا نجد نظيراً له في «دفاتر السجن» «لغرامشي»، كما لا تنطبق عليه مبادئ «جوليان بندا» في «خيانة الإكليروس»، ومع ذلك هناك من يحاول تحميل المثقف خطايا الآخرين، وهو الذي قاسى مرارة السجن والنفي والإذلال حين خالف الحكّام ورفض أن يتحوّل الى بوق أو شاهد زور في أحسن الأحوال.. وبعيداً عن التشاؤم وبعد التطور الذي شهدته وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها، يرى بعض المتفائلين إن تلك الطفرة وأيامها السوداء لا بد أن تنجلي وأن تواجه نهايتها الحتمية، ولا بد أن تنقشع دياجير الظلام، إذ إن عصر الإمبراطوريات في طريقه إلى الزوال، والى غير رجعة، ولا يمكن أن يُحكم العالم من جديد بوسائل روما القديمة، ولا بد أن تشرق شمس الحرية ولا بد أن تنجلي هذه الغيوم السوداء التي طالت الدنيا وحجبت أنوار الإكتشافات العلمية على جميع الصعد والتي ستمهّد الإنتقال الى حقبة جديدة أكثر إشراقاً.. وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.