بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

19 آذار 2021 12:00ص أنا من التراب

حجم الخط
أنا من التراب وإلى التراب أعود. عبارة لا توازيها أهميةً إلا: أنا من الشعب وإلى الشعب أعود. بيد أنّ ما من زعيم لبناني واحد (ولا حتى عربي) تلفّظ بها أو امتثل لأمرها ناهيك عن تفكّره بها. عبد الناصر وحده تجرّأ عليها لأنّه كان حراً، صادقاً، وفقيراً. لم تمنعه إرادة دولية أو إقليمية عن الاستقالة الطوعية تحمّلا للمسؤولية، ولم يمنعه جاه أو مال أو عائلة من التنازل عن السلطة بسبب الاخفاق في جولة مؤلمة من الحرب المستمرة مع أعداء الأمة.

 صحيح أنّ عبد الناصر ظلّ الرجل الأكثر حرية من كل الشعوب العربية مجتمعةً؛ حيث لم يفلح حُكمه ولا نظامه سواء في الداخل أو الخارج في رفع تلك الشعوب إلى مستواه الفردي المُطلق، إلا أنّه بقي قريباً منها أخلاقياً ونفسياً واجتماعياً وحتّى سياسياً. عندما انتصر همّ بها وهمّت به، وعندما هُزم عضّ عليها وعضّت عليه، وعندما مات دُفن فيها ودُفنت فيه! لم نسمع عن عائلة الرئيس، وعن زوجة الرئيس، وعن أولاد الرئيس، وعن أصهر الرئيس. 

ولم نقرأ عن مليارات الرئيس، وعن قصور الرئيس، وعن مشاريع الرئيس. كما لم يعتقد أحد قط بأنّ الرئيس حالة أبدية أو خالدة، سوى من جهة المبادئ السياسية العامة والأفعال الاستنهاضية والتوحيدية في دنيا العرب. لم يكن شخص القائد هو القضية، ولا بقاؤه في الحكم هو الهدف الأخير. فالاختبار الشخصي لأي قائد مهما كان ناجحاً أو مُظفّرا لا يرقى إلى اختبارات القضيّة. لهذه الأخيرة شأن آخر لا يقدر عليه فرد بعينه. قوّة عبد الناصر أنّه لم تكن لديه قضية خاصة.

 قضيته هي قضية الشعب العربي في كل مكان وزمان. لم يكن في شخصه ممراً إلزامياً للعروبة أو للوطنية أو للمقاومة التي قال عنها أنها وجدت لتبقى. بل كانت العروبة الوطنية والمقاومة هي الممر الإلزامي لشخص عبد الناصر في التاريخ. لولاها لكان رئيسا مصرياً على أحسن تقدير أو فرداً عربياً عادياً...          


أخبار ذات صلة