بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

19 تشرين الثاني 2021 12:00ص التّعب!

حجم الخط
كل شيء يتعَب. الأيامُ منّا، ونحن من الأيام. يرسمُ ملامحنَا الشقيّةَ التعبُ بلا استئذان وفي غفلة من مرايانا العنيدة. دائما «أنا هنا» يقول لنا بصمت الوجوه الكالحة، وهي تترقب مصيرها المكتوم عن فم الزمان. تحت الجلد، في النظرات العابرات نحو المستحيل، وبين النواجذ التي تعضّ على العمر، هناك تعبٌ يمسحُ بصماتنا عن النوافذ الصغيرة لحياتنا. على بابنا الذي لا باب لنا غيره تقفُ شمسٌ متعبةٌ من رحلة الضوء في غابة النفوس الكثيفة. شؤونٌ تُسابق ظلالها التي بالكاد تتذكّر انكساراتها المريرة على صهوة التعب المسافر في لحمنا المطبوخ أبدًا. تعبٌ على تعب تمضي الحياةُ بأصفاد الماء والتراب إلى صحراء أطفالها الأخيرين: الخبزُ والحبرُ عصفوران على حبل الوتر المشدود بين موتين لنغمٍ واحد يتردّد صداه في عنق اللاشيء. نركضُ مثل موج أسكره الملح الحّار في عيونه الواسعة، وسريعًا ننامُ على صوتٍ بارد كالسكين ينسحب بخَفَر مثل الزبد. نحب ونكره، نصبر أحيانا مثل جبل، ونتململ أحيانا مثل هاوية. نمرّ على ما يُمرّ عليه حَزَنا أو فرَحا، فلا نرى سوى خيوطٍ من التعب تنسج من دمنا معطفًا شتويًا للعاصفة. يهدأ التعب في مخيّلتي قليلًا. يتهادى ككرة حظٍ خائبة بين حائطين للواقع. أبعد من حلمٍ أمدُّ يدي الرجراجة فتتمسّح بها قطة الخلاء بفروها المترامي الرماد أو يُعيدها إليّ شفقٌ كالجدار الأعمى. لا كلام أُصرّف أوزانه على سُلّمٍ من بقايا الحنين في اللحن، ليس يوصلني إلى حديقة صامدة في رأسي. يلحقُ بنا التعب كخطواتنا المرسومة فوق جبين الرمل. لا شاطئ لنا على التعب العميق، ولا سفينة في أحواضنا تحرسُ من غرقه خشبنَا الخائف. ينامُ التعب إلى جانبنا كطفلٍ هادئ ينتظر قصة المساء بعيون تبرق إلى البعيد. يسبقنا ثم يسبقنا طوعاً ولا نملك من أنفسنا غير أن نلحق به عُنوةً. أهو نحن أم نحن هو؟ أم كلانا لبعضنا تعبٌ يجر تعبًا!
أخبار ذات صلة