بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

30 نيسان 2021 12:00ص الوطن مع الصامتين حتى ينطقوا!

حجم الخط
حكايةٌ واحدة لا غير. هي حكايةُ وطن صغير. بحقّه أخطأنا جميعاً. وبمصيره تلاعبنا حدّ الثّمالة. وعلى أرضه وسمائه وبحره راهنّا بلا هوادة. في مرحلة شعرنا بأنّه أصغر من طموحاتنا. وفي مرحلة أخرى أحسسنا بأنّه أكبر من مجرّد وطنٍ على مقاسنا. في غمضة عينٍ عربية صار ساحةً مفتوحة للخراب أو باقةَ نار لأنظمةٍ جائرة أو مزهريّةً لنوايا الشوك في الورد. دائماً ما كانت فكرتنا عن الوطن أسيرة الضباب الكثيف في عقولنا أو الرمال المُتحرّكة في نفوسنا. 

ولطالما غرقت وجوهنا هناك ولطالما نزفت جلودنا تحت أردية الطوائف الجائعة والجماعات المتحفّزة لعضّ الفراغ. وكان الدينُ يختنق معنا وبيننا. هي حكايةُ شعب أو شعوب. لا فرق ما دام الوطن هو وحده الذي يصنع الفرق. لكن محطّات انتظاره باتت اليوم شبة خالية. وما عاد يضبطُ ساعتَه على مجيئه أحدٌ. 

صفيرُ الكلمات أسمعه وحدي على رصيف العمر المُتثائب بين لحظتين، ولا أشاهد في المرايا المحطّمة بجانبي أيّاً من المارّة اليوميّين أو العابرين على حبال الأمل الرفيعة فوق بحر الألغاز المُمتد فينا بلا نهاية. ومن بعيدٍ جداً ألمحُ الحلمَ يحمل فراش ليله المهترئ مذ حطّت نجومٌ على أكتافه العنيدة، ويهرول به نحو مقعده في السفر. لا شيء سيفوت أبجديّة الترحال الأبديّ، تقول عجوز لم أهتدِ إلى هيئتها. تعرفني من ندائي أيّها الناجي، تُجيبني من مكانٍ في نفسي قريب. 

لي من الملامح ما تبدعون ولكم منّي صوتٌ واحد يسمعه فيكم القاصي والداني. قالت ذلك وأنهت وقفتها القصيرة معي. كأنّي بها الحرب، وكأنّي بها الذاكرة. قصيرةٌ هي حكايتنا وطويلة إذن. كل الفرق في مَن سيحكيها لنا غداً، وعلى ذمّة أيّ بوصلةٍ سيتّجه الدم المُعذّب أبداً؟ هل كان الوطن أغنيةً بحثنا عن لحنها الفريد فلم نجده سوى في قرع الطبول؟ جغرافيا تعزف على سلّم التاريخ نشازاً؟ من فينا الوطنيّ؟ حقّ للوطن أن يسألنا. لكن الوطن الآن يقف مع الصامتين حتى ينطقوا!


أخبار ذات صلة