بيروت - لبنان

اخر الأخبار

حكايا الناس

15 كانون الثاني 2021 12:00ص صاحبة الضفائر الذهبية!

حجم الخط
يُخيل إليّ أحياناً وأنا أستمع إلى صرخات أصحاب المستشفيات حول نفاد إمكاناتهم لاستقبال مرضى الكورونا تحت شعار «لا أسرّة عندنا بعد اليوم!» أنّ المستشفيات في هذا الوطن الصغير كانت تفتح ذراعيها للمصابين ولكل مُحتاج وقاصد، من دون أي تمييز مهما كان نوعه أو درجته، وأنّها لم ترد يوماً أحداً إلتجأ إليها أو تقذف به إلى باب الخروج، إن عجز عن توفير الملايين من الليرات «كاش» عند مكاتب الدخول، من أجل تلقي علاج بسيط في الطوارئ أو تأمين غرفة عاجلة له ليوم عصيب. كأنّ كل هذا وأكثر لم يحصل. كأن الحناجر التي تتشدّق اليوم بالهواء الإعلامي، من كل لون ورائحة، لم تنفث دخان عجرفتها وعدم إنسانيّتها على مرأى من وجوه بائسة ترهقها قترة العوز والفاقة. صحيح أنّ الذين «استحوا ماتوا» كما يقول المثل، لكن الذين لا يستحون أبداً تراهم أحياناً يتضورون حياءً، ويتلوّون خجلاً أمام عينيك، حتى لتحسبهم من فرط حيائك وسذاجتك، ملائكة للرحمة العاجلة على هذه الأرض! والحق أن اللبناني لا يعرف ماذا يعني أن يكون لبنانياً في دولة اللادولة، إلا عندما يقف وحيداً، ذليلاً، مهيض الجناح، مشتّت الذهن، خائر الهوية، أمام باب المستشفيات أو في غرف انتظارها الباردة. لكل واحد منا حكايته المفجعة مع المستشفيات. عندما لا يعود يرى في الأبيض غير مناديل معلّقة حوله، يمسح بها كرامته في الإنسانية والمواطنة؛ آخر الأشياء التي يُسأل عنها، في بلد يفلت منه أهله ويفلت منهم. ربما بلا رحمة! فلتان عارم لا يعلو فوقه قانون ولا دستور، ولا يعلو عليه صوت، بل كل الأصوات عليه تقوم، وبه ترتفع. آه أيتها المستشفيات، صاحبة الضفائر الذهبية، كم سطوت على أوجاعنا وآلامنا.. وها أنت الآن تصرخين بها بأعلى غطرستك. 

الصمتُ حديثٌ لا يفهمُه إلا العابرون. فاصْمُتي يا حبيبتي كي نعبرَ معاً هذا المدىَ من الكلام. غداً نلقىَ حتْفَ وجوهنا في المرايا، ونتحرّرُ كلانا من الأوهام.

أخبار ذات صلة